للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شَرِبَ مَاءً بَارِدًا فَبَكَى فَسُئِلَ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ ذَكَرْتُ آيَةً فِي كِتَابِ اللهِ (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) (٣٤: ٥٤) فَعَرَفْتُ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ لَا يَشْتَهُونَ إِلَّا الْمَاءَ الْبَارِدَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْآيَةَ لَا حَصْرَ فِيهَا. وَفِي الشُّعَبِ وَالتَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ سَقْيُ الْمَاءِ؛ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى أَهْلِ النَّارِ لَمَّا اسْتَغَاثُوا بِأَهْلِ الْجَنَّةِ قَالُوا: (أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) " وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَتَصَدَّقُ عَلَيْهَا؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ " سَقْيُ الْمَاءِ ".

(قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) الْحَرَامُ فِي اللُّغَةِ الْمَمْنُوعُ، وَالتَّحْرِيمُ وَهُوَ الْمَنْعُ قِسْمَانِ: تَحْرِيمٌ بِالْحُكْمِ وَالتَّكْلِيفِ كَتَحْرِيمِ اللهِ الْفَوَاحِشَ وَالْمُنْكَرَاتِ وَأَرْضِ الْحَرَمِ أَنْ يُؤْخَذَ صَيْدُهَا أَوْ يُقْطَعَ شَجَرُهَا أَوْ يُخْتَلَى خَلَاهَا (أَيْ يُنْزَعَ حَشِيشُهَا الرَّطْبُ) . وَتَحْرِيمٌ بِالْفِعْلِ أَوِ الْقَهْرِ كَتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا عَلَى الْكَافِرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي قَوْلِهِ: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النارُ) (٥: ٧٢) أَيْ قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ جَوَابًا عَنْ هَذَا الِاسْتِجْدَاءِ: إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ مَاءَ الْجَنَّةِ وَرِزْقَهَا عَلَى الْكَافِرِينَ كَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ دُخُولَهَا، فَلَا يُمْكِنُ إِفَاضَةُ شَيْءٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي النَّارِ، فَإِنَّ لَهُمْ مَاءَهَا الْحَمِيمَ وَطَعَامَهَا مِنَ الضَّرِيعِ وَالزَّقُّومِ.

وَذَكَرُوا مِنْ وَصْفِ الْكَافِرِينَ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا سَبَبَ هَذَا الْحِرْمَانِ، وَهُوَ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ أَعْمَالًا لَا تُزَكِّي الْأَنْفُسَ فَتَكُونُ أَهْلًا لِدَارِ الْكَرَامَةِ، بَلْ هِيَ إِمَّا لَهْوٌ وَهُوَ مَا يُشْغِلُ الْإِنْسَانَ عَنِ الْجِدِّ وَالْأَعْمَالِ الْمُفِيدَةِ بِالتَّلَذُّذِ بِمَا تَهْوَى النَّفْسُ، وَإِمَّا لَعِبٌ وَهُوَ مَا لَا تُقْصَدُ مِنْهُ فَائِدَةٌ صَحِيحَةٌ كَأَعْمَالِ الْأَطْفَالِ، وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَكَانَ كُلُّ هَمِّهِمُ التَّمَتُّعَ بِشَهَوَاتِهَا وَلِذَّاتِهَا - حَرَامًا كَانَتْ أَوْ حَلَالًا - لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ عِنْدَهُمْ لِذَاتِهَا،

وَأَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَهُمُ الَّذِينَ سَعَوْا لَهَا سَعْيَهَا بِأَعْمَالِ الْإِيمَانِ الَّتِي تُزَكِّي الْأَنْفُسَ وَتُرَقِّيهَا فَلَمْ يَغْتَرُّوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا. بَلْ كَانَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ مَزْرَعَةَ الْآخِرَةِ لَا مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا لِذَلِكَ كَانُوا يَقْصِدُونَ بِالتَّمَتُّعِ بِنِعَمِ اللهِ فِيهَا الِاسْتِعَانَةَ بِهَا عَلَى مَا يُرْضِيهِ مِنْ إِقَامَةِ الْحَقِّ وَعَمَلِ الْخَيْرِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ.

وَمَنْ أَرَادَ التَّفْصِيلَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى تَفْسِيرِ (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٦: ٢٩) إِلَى قَوْلِهِ: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينِ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (٣٢) وَفِيهِ بَحْثٌ طَوِيلٌ فِي اللَّعِبِ وَاللهْوِ وَنُكْتَةِ تَقْدِيمِ اللَّعِبِ عَلَى اللهْوِ

<<  <  ج: ص:  >  >>