وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
[٧: ١٥٧] وَقَوْلُهُ: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا [- ٧: ٥٨] وَالْأَعْمَالُ، وَمِنْهُ الْآيَةُ الَّتِي نُفَسِّرُهَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَاهَا وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْعَمَلَ الْخَبِيثَ بِالْعَمَلِ الطَّيِّبِ أَنْ تَجْعَلُوهُ بَدَلًا مِنْهُ. وَمِنْهُ مَثَلُ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ (١٤: ٢٤ - ٢٦) . وَ (الْحُوبُ) : الْإِثْمُ، وَمَصْدَرُهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ. وَذَكَرَ الرَّاغِبُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَلِمَةُ " حُوبٍ " لِزَجْرِ الْإِبِلِ. قَالَ: وَفُلَانٌ يَتَحَوَّبُ مِنْ كَذَا أَيْ يَتَأَثَّمُ. وَقَوْلُهُمْ: أَلْحَقَ اللهُ بِهِ أَيِ الْمَسْكَنَةَ وَالْحَاجَةَ، وَحَقِيقَتُهَا هِيَ الْحَاجَةُ الَّتِي تَحْمِلُ صَاحِبَهَا عَلَى ارْتِكَابِ الْإِثْمِ، وَالْحَوْبَاءُ قِيلَ: هِيَ النَّفْسُ، وَحَقِيقَتُهَا هِيَ النَّفْسُ الْمُرْتَكِبَةُ لِلْحُوبِ اهـ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) تَفْسِيرُهُ بِالْإِثْمِ وَبِالظُّلْمِ. وَفِي الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ سَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالَ: هُوَ الْإِثْمُ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ. قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:
فَإِنِّي وَمَا كَلَّفْتُمُونِي مِنْ أَمْرِكُمْ ... لِيُعْلَمَ مَنْ أَمْسَى أَعَقَّ وَأَحْوَبَا
وَحَابَ يَحُوبُ حُوبًا وَحَابًا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُمَا كَالْقَوْلِ وَالْقَالِ، وَقَالَ الْقَفَّالُ: أَصْلُهُ التَّحَوُّبُ وَهُوَ التَّوَجُّعُ، فَالْحُوبُ: ارْتِكَابُ مَا يُتَوَجَّعُ مِنْهُ. وَتُقسِطُوا تَعْدِلُوا مِنَ الْإِقْسَاطِ، يُقَالُ: أَقْسَطَ الرَّجُلُ إِذَا عَدَلَ، وَيُقَالُ قَسَطَ إِذَا جَارَ. قَالَ - تَعَالَى -: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [٤٩: ٩] وَقَالَ: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [٧٢: ١٥ وَكِلَاهُمَا مِنَ الْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ، وَقَالَ: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ] ٧: ٢٩ [وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ [٤: ١٣٥] وَالْقِسْطُ فِي الْأَصْلِ: النَّصِيبُ بِالْعَدْلِ. وَقَالُوا: قَسَطَ فُلَانٌ بِوَزْنِ جَلَسَ إِذَا أَخَذَ قِسْطَ غَيْرِهِ، وَنَصِيبَهُ. وَقَالُوا: أَقْسَطَ إِذَا أَعْطَى غَيْرَهُ قِسْطَهُ وَنَصِيبَهُ. كَذَا قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْهَمْزَةَ فِي أَقْسَطَ لِلسَّلْبِ، فَقَسَطَ بِمَعْنَى: عَدَلَ، وَأَقْسَطَ بِمَعْنَى: أَزَالَ الْقِسْطَ فَلَمْ يُقِمْهُ، كَمَا يُقَالُ فِي شَكَا وَأَشْكَى، فَإِنَّ أَشْكَاهُ بِمَعْنَى أَزَالَ شَكْوَاهُ. وَقَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: كَأَنَّ الْهَمْزَةَ لِلسَّلْبِ.
فَانْكِحُوا مَعْنَاهُ: فَتَزَوَّجُوا، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي إِطْلَاقِهِ عَلَى الْعَقْدِ، وَعَلَى مَا يُقْصَدُ مِنَ الْعَقْدِ، وَلَوْ بِدُونِهِ. وَقَوْلُهُ: مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ مَعْنَاهُ: ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا، فَتِلْكَ الْأَلْفَاظُ الْمُفْرَدَةُ مَعْدُولَةٌ عَنْ هَذِهِ الْأَعْدَادِ الْمُكَرَّرَةِ. وَلَمَّا كَانَ الْخِطَابُ لِلْجَمْعِ حَسُنَ اخْتِيَارُ الْأَلْفَاظِ الْمَعْدُولَةِ الدَّالَّةِ عَلَى
الْعَدَدِ الْمُكَرَّرِ، وَكَانَتْ مِنَ الْإِيجَازِ لِيُصِيبَ كُلَّ مَنْ يُرِيدُ الْجَمْعَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُخَاطَبِينَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ، أَوْ ثَلَاثًا فَقَطْ، أَوْ أَرْبَعًا فَقَطْ، وَلَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ غَايَةٌ فِي التَّعَدُّدِ بِشَرْطِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَمَا تَقُولُ لِلْجَمَاعَةِ اقْتَسِمُوا هَذَا الْمَالَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ: دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، وَأَرْبَعَةً أَرْبَعَةً، وَلَوْ أَفْرَدْتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى. أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute