للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي دِينِهِمْ وَكُتُبِهِمْ. وَهَذَا مَا يُتَوَقَّعُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْآتِيَةِ، وَقَدْ صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا (٤: ٨٧) .

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ هَذَا بَيَانٌ مُسْتَأْنَفٌ لِلْمُرَادِ مِنْ إِتْمَامِ نُورِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهُوَ أَنَّ اللهَ الَّذِي كَفَلَ إِتْمَامَ هَذَا النُّورِ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ الْأَكْمَلَ الَّذِي أَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلُ: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ (٣: ٨١) إِنْ جَاءَ فِي زَمَنِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى الْأَتَمِّ الْأَكْمَلِ الْأَعَمِّ الْأَشْمَلِ، وَدِينِ الْحَقِّ أَيِ: الثَّابِتِ الْمُتَحَقِّقِ الَّذِي لَا يَنْسَخُهُ دِينٌ آخَرُ، وَلَا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ آخَرُ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ (٤١: ٤٢) وَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي ذُكِرَ فِي أَوَّلِ هَذَا السِّيَاقِ: وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ (٩: ٢٩) ; لِأَنَّهُمْ أَضَاعُوا حَظًّا عَظِيمًا مِنْ كُتُبِ أَنْبِيَائِهِمْ وَمَوَاعِظِهِمْ وَحَرَّفُوا الْبَاقِيَ مِنْهَا فَلَمْ يُقِيمُوهُ عَلَى وَجْهِهِ، بَلِ اسْتَبْدَلُوا بِهِ تَقَالِيدَ وَضَعَهَا لَهُمُ الرُّؤَسَاءُ بِأَهْوَائِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ الْأَمْرُ الثَّابِتُ الْمُتَحَقِّقُ، وَأَنَّ إِضَافَةَ الدِّينِ إِلَيْهِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ صَحِيحٌ يُجَامِعُهُ وَلَا يُبَايِنُهُ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ دِينَ اللهِ الْمَحْضَ الَّذِي لَا شَائِبَةَ فِيهِ كَالشَّوَائِبِ الَّتِي عُرِضَتْ لِلْأَدْيَانِ السَّابِقَةِ وَلِمَا بَقِيَ مِنْ كُتُبِهَا. وَكَلِمَةُ الْحَقِّ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ: فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ (١٠: ٣٢) .

وَمِنَ الْمَعْلُومِ عِنْدَ جَمِيعِ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ الْعَامِّ - وَلَا سِيَّمَا تَارِيخُ الْأَدْيَانِ - أَنَّهُ لَا يُوجَدُ دِينٌ مَنْقُولٌ عَمَّنْ جَاءَ بِهِ مِنْ رُسُلِ اللهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ نَقْلًا صَحِيحًا مُتَوَاتِرًا

بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مُتَّصِلَ الْأَسَانِيدِ إِلَّا دِينَ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدْنَاهُ لِإِثْبَاتِ ضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنَ الْإِنْجِيلِ وَتَحْرِيفِ النَّصَارَى لِكُتُبِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ ٥: ١٣ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ، أَنَّ فَيْلَسُوفًا هِنْدِيًّا دَرَسَ تَوَارِيخَ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَبَحَثَ فِيهَا بَحْثَ حَكِيمٍ مُنْصِفٍ لَا يُرِيدُ إِلَّا اسْتِبَانَةَ الْحَقِّ، وَأَطَالَ الْبَحْثَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ لِمَا لِلدُّوَلِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهَا مِنَ الْمُلْكِ وَسَعَةِ السُّلْطَانِ، وَنَظَرَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَتْ غَايَةُ ذَلِكَ الدَّرْسِ أَنْ عَرَفَ بِالْبُرْهَانِ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الدِّينُ الْحَقُّ، فَأَسْلَمَ وَأَلَّفَ كِتَابًا بِاللُّغَةِ الْإِنْجِلِيزِيَّةِ عُنْوَانُهُ (لِمَاذَا أَسْلَمْتُ) أَظْهَرَ فِيهِ مَزَايَاهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ، وَكَانَ مِنْ أَهَمِّهَا عِنْدَهُ أَنَّهُ هُوَ الدِّينُ الْوَحِيدُ الَّذِي لَهُ تَارِيخٌ ثَابِتٌ مَحْفُوظٌ. . . . وَكَانَ مِنْ مَثَارِ الْعَجَبِ عِنْدَهُ أَنْ تَرْضَى أُورُبَّةُ لِنَفْسِهَا دِينًا تَرْفَعُ مَنْ تَنْسُبُهُ إِلَيْهِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْبَشَرِ فَتَجْعَلُهُ إِلَهًا وَهِيَ لَا تَعْرِفُ مِنْ تَارِيخِهِ شَيْئًا يُعْتَدُّ بِهِ. . . ثُمَّ بَيَّنَ غَايَةَ إِرْسَالِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ بِدِينِ الْحَقِّ أَوْ عِلَّتَهُ بِقَوْلِهِ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يُقَالُ أَظْهَرَ الشَّيْءَ: أَوْضَحَهُ وَأَبَانَهُ فَجَعَلَهُ ظَاهِرًا لَا خَفَاءَ فِيهِ. وَأَظْهَرَ فُلَانًا عَلَى الشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>