مَلَئِهِ طَلَبَ هَؤُلَاءِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْدَرُ بِإِتْيَانِ مُوسَى بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، كَمَا حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ فِي سُورَةِ طَهَ: قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ (٢٠: ٥٧، ٥٨) وَطَلَبَ آخَرُونَ حَشْرَ جَمِيعِ السَّحَرَةِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لَعَلَّهُ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُقْتَصِدِينَ أَوِ الْمُقِلِّينَ مِنَ السِّحْرِ مَا لَا يُوجَدُ عِنْدَ الْمُكْثِرِينَ مِنْهُ - فَبَيَّنَتِ الْقِرَاءَتَانِ كُلَّ مَا قِيلَ مَعَ الْإِيجَازِ الْبَلِيغِ.
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ. وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ أَيْ: وَجَاءَ فِرْعَوْنَ السَّحَرَةُ الَّذِينَ حَشَرَهُمْ لَهُ أَعْوَانُهُ وَشُرْطَتُهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكِتَابُ الْحَكِيمُ وَلَا الرَّسُولُ الْمَعْصُومُ عَدَدَهُمْ؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ مِنْهُ، وَكُلُّ مَا رُوِيَ فِيهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ عَشَرَاتُ الْأُلُوفِ فَهُوَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا عِنْدَنَا، وَلَا فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لِفِرْعَوْنَ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا عَظِيمًا يُكَافِئُ مَا يُطْلَبُ مِنَّا مِنَ الْعَمَلِ الْعَظِيمِ إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ لِمُوسَى، ذُكِرَ قَوْلُهُمْ هُنَا بِأُسْلُوبِ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ كَأَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ مَاذَا قَالُوا؟ وَجَاءَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ: فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ (٢٦: ٤١) وَهُوَ تَفَنُّنٌ فِي الْعِبَارَةِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَحَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ، قِيلَ: إِنَّهُ عَلَى الْإِخْبَارِ الدَّالِّ عَلَى إِيجَابِ الْأَجْرِ، وَكَوْنِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي يَكْثُرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ وَالْمُخْتَارُ لِيُوَافِقَ قِرَاءَةَ ابْنِ عَامِرٍ بِإِثْبَاتِهَا هُنَا وَهُوَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ.
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أَيْ: قَالَ فِرْعَوْنُ مُجِيبًا لَهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا: نَعَمْ؛ إِنَّ لَكُمْ لَأَجْرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute