للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَيْنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ، وَالْفِعْلِ وَالِانْفِعَالِ، فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ مَا أُمِرُوا بِهِ فَيَعْمَلُوا بِهِ، لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، وَكَانُوا مَعَهُ فِي كُلِّ أُمُورِ الدِّينِ لَا يُفَارِقُونَهُ، قَدْ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَقَامُوا بِالْوَاجِبِ خَيْرَ قِيَامٍ، كَمَا يَقْتَضِيهِ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ، وَمَا كَانَ أُولَئِكَ الْمُنَافِقُونَ الْجُبَنَاءُ الْبُخَلَاءُ بِأَهْلٍ لِلْقِيَامِ بِهَذِهِ الْأَعْبَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا وُصِفُوا بِهِ مِنَ الْآيَاتِ، وَلَاسِيَّمَا آيَةُ: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا (٤٧) .

وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ عَطَفَ جَزَاءَهُمْ عَلَى جِهَادِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مَفْصُولًا مُسْتَأْنَفًا، كَقَوْلِهِ السَّابِقِ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ (٧١) وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ (٢: ٥) الْآيَةَ. لِأَنَّهُ تَتِمَّةٌ لِبَيَانِ حَالِهِمُ الْمُخَالِفَةِ لِحَالِ الْمُنَافِقِينَ بَدْءًا وَانْتِهَاءً عَمَلًا وَجَزَاءً، أَيْ: وَأُولَئِكَ الْمُجَاهِدُونَ بَعِيدُو الْمَنَالِ فِي مَعَارِجِ الْكَمَالِ، لَهُمْ دُونَ الْمُنَافِقِينَ الْخَيْرَاتُ الَّتِي هِيَ ثَمَرَاتُ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ، مِنْ شَرَفِ النَّصْرِ، وَمَحْوِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ. وَاجْتِثَاثِ شَجَرَةِ الشِّرْكِ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ، وَإِقَامَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ بِدِينِ اللهِ، وَالتَّمَتُّعِ بِالْغَنَائِمِ وَالسِّيَادَةِ فِي الْأَرْضِ: وَأُولَئِكَ هُمُ

الْمُفْلِحُونَ أَيِ الْفَائِزُونَ بِسِيَادَةِ الدُّنْيَا مَعَ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ - دُونَ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ حُرِمُوا مِنْهُمَا بِنِفَاقِهِمْ، وَمَا لَهُ مِنْ سُوءِ الْأَثَرِ فِي أَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا وَمَا يُنَاسِبُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مُكَرَّرًا فِي هَذَا السِّيَاقِ.

أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. تَقَدَّمَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ هَذِهِ فِي الْآيَةِ ٧٢ وَسَيَأْتِي مِثْلُهَا فِي آخِرِ الْآيَةِ الْمُتَمِّمَةِ لِلْمِائَةِ.

وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

هَذِهِ الْآيَةُ فِي بَيَانِ حَالِ الْأَعْرَابِ خَاصَّةً، وَهُمْ بَدْوُ الْعَرَبِ طَلَبُوا الْإِذْنَ بِالتَّخَلُّفِ، وَالَّذِينَ تَخَلَّفُوا بِغَيْرِ إِذْنٍ، عَقِبَ بَيَانِ حَالِ مُنَافِقِي الْحَضَرِ فِي مَدِينَةِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ

<<  <  ج: ص:  >  >>