قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ تَعَالَى رُجُوعَانِ: -
رُجُوعٌ فِي هَذَا الْعَالَمِ إِلَى سُنَّتِهِ الْحَكِيمَةِ وَنِظَامِ خَلِيقَتِهِ الثَّابِتِ كَكَوْنِ تَحْصِيلِ الْغَنِيِّ يَكُونُ بِكَذَا مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ وَكَذَا مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى وَتَسْخِيرِهِ، وَكَوْنِ الْفَقْرِ يَكُونُ بِكَذَا وَكَذَا مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَكَكَوْنِ الْبَذْلِ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ يَأْتِي بِكَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَنَافِعِ الْخَاصَّةِ بِالْبَاذِلِ وَالْعَامَّةِ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ يَعْتَزُّ بِعِزَّتِهِمْ وَيَسْعَدُ بِسَعَادَتِهِمْ، وَكَوْنِ تَرْكِ الْبَذْلِ يَأْتِي بِكَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالْمَضَارِّ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَلَا يَسْتَقِلُّ الْإِنْسَانُ بِعَمَلٍ
مِنْ ذَلِكَ تَمَامَ الِاسْتِقْلَالِ بِحَيْثُ يَسْتَغْنِي بِهِ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالْحَاجَةِ إِلَى مَعُونَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَسْخِيرِ الْأَسْبَابِ لَهُ. أَقُولُ: وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ بَعْضَ أَعْمَالِهِ يَتِمُّ بِكَسْبِهِ وَسَعْيِهِ وَجِدِّهُ لَمَا كَانَ رَاجِعًا إِلَّا إِلَى اللهِ تَعَالَى فِيهِ; لِأَنَّهُ مَا عَمِلَ وَلَا وَصَلَ إِلَّا بِالسَّيْرِ عَلَى سُنَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا عَنِ اللهِ تَعَالَى إِنْ قَدَّرَ أَنْ يُغَيِّرَ سُنَنَهُ وَنِظَامَ خَلْقِهِ وَيَنْفُذَ بِعَمَلِهِ مِنْ مُحِيطِ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (٥٥: ٣٣، ٣٤) .
قَالَ: وَأَمَّا الرُّجُوعُ الْآخِرُ فَهُوَ الرُّجُوعُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ حَيْثُ تَظْهَرُ نَتَائِجُ الْأَعْمَالِ وَآثَارُهَا (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (٨٣: ١٩) .
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute