للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ فَصَّلْنَا فِي الْمَنَارِ الْقَوْلَ فِي الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْحَرْبِ الْمَدَنِيَّةِ وَحُرُوبِ الْمُسْلِمِينَ الدِّينِيَّةِ، الَّتِي كَانَتْ دِفَاعًا عَنِ النَّفْسِ وَتَقْرِيرًا لِلْحَقِّ وَالْعَدْلِ، وَالْمُسَاوَاةِ فِي الْحُقُوقِ بَيْنَ أَصْنَافِ الْخَلْقِ، يَسِيرُونَ فِيهَا عَلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَادِلَةِ فِي الضَّرُورَاتِ كَكَوْنِهَا تُبِيحُ مَا ضَرَرُهُ دُونَ ضَرَرِهَا وَكَوْنِهَا تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَتُرَاعَى فِيهَا الرَّحْمَةُ لَا الْعَدْلُ وَحْدَهُ، وَقَدْ شَهِدَ بِذَلِكَ لِسَلَفِنَا أَعْلَمُ حُكَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ بِتَارِيخِنَا (غُوسْتَافْ لُوبُونْ) فَقَالَ كَلِمَةَ حَقٍّ حَقِيقَةٌ بِأَنْ تُكْتَبَ بِمَاءِ الذَّهَبِ، وَهِيَ: " مَا عَرَفَ التَّارِيخُ فَاتِحًا أَعْدَلَ وَلَا أَرْحَمَ مِنَ الْعَرَبِ ".

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ شُبُهَاتِ الْمَفْتُونِينَ بِالْمَدَنِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ قَدْ دُحِضَتْ بِهَذِهِ الْحَرْبِ السَّاحِقَةِ الْمَاحِقَةِ وَقَوِيَتْ بِهَا حُجَّةُ أَهْلِ الدِّينِ عَلَيْهِمْ، بَلْ تَنَبَّهَ بِهَا الشُّعُورُ الدِّينِيُّ فِي الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنَ الْأُورُبِّيِّينَ حَتَّى الْفَرِنْسِيسُ مِنْهُمْ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَآثَرُوا عَلَيْهِ الشَّهَوَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الْحَقِيرَةِ، حَتَّى ضَاقَتْ بِهِمُ الْمَعَابِدُ الَّتِي كَانَتْ مَهْجُورَةً قَلَّمَا تُفْتَحُ أَبْوَابُهَا، وَقَلَّمَا يُلِمُّ بِهَا أَحَدٌ إِنْ فُتِحَتْ. وَذَلِكَ شَأْنُ الْمُسْرِفِينَ فِي أَمْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ، لَا يَتَوَجَّهُونَ إِلَى خَالِقِهِمْ إِلَّا عِنْدَ الشِّدَّةِ وَالْبَأْسِ (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (١٠: ١٢) .

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيُحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ

مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>