للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمَصَائِبُ؟ أَلَمْ يَحِنْ لَهُمْ أَنْ يَكُفُّوا عَنْ تَخْرِيبِ بُيُوتِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي أَعْدَائِهِمْ؟ أَلَا أَيُّهَا الْأُمَرَاءُ الْعِظَامُ مَا لَكُمْ وَلِلْأَجَانِبِ عَنْكُمْ؟ أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ شَأْنَهُمْ، وَلَمْ تَبْقَ رِيبَةٌ فِي أَمْرِهِمْ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا سَارِعُوا إِلَى أَبْنَاءِ أَوْطَانِكُمْ وَإِخْوَانِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ، وَأَقْبِلُوا عَلَيْهِمْ بِبَعْضِ مَا تُقْبِلُونَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ تَجِدُونَ فِيهِمْ خَيْرَ عَوْنٍ وَأَفْضَلَ نَصِيرٍ، اتَّبِعُوا سُنَّةَ اللهِ فِيمَا أَلْهَمَكُمْ وَفَطَرَكُمْ عَلَيْهِ كَمَا فَطَرَ النَّاسَ أَجْمَعِينَ، وَرَاعُوا حِكْمَتَهُ الْبَالِغَةَ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَمَا نَهَاكُمْ كَيْلَا تَضِلُّوا وَيَهْوِي بِكُمُ الْخَطَلُ إِلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ، أَلَمْ تَرَوْا، أَلَمْ تَعْلَمُوا، أَلَمْ تَحْسَبُوا، أَلَمْ تُجَرِّبُوا؟ إِلَى مَتَى إِلَى مَتَى؟ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " اهـ.

هَذَا بَيَانٌ يُرِيكَ بِالْحُجَجِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ النَّاهِضَةِ أَنَّ الْغَرِيبَ عَنِ الْمِلَّةِ لَا يُتَّخَذُ بِطَانَةً لِلْقَائِمِينَ بِأَمْرِ الْمِلَّةِ، وَالْغَرِيبُ عَنِ الدَّوْلَةِ لَا يُتَّخَذُ بِطَانَةً لِرِجَالِ الدَّوْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ الْغُرَبَاءُ مُتَّصِفِينَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ مِنَ الْعُدْوَانِ وَالْبَغْضَاءِ فَكَيْفَ إِذَا كَانُوا كَذَلِكَ؟

بَيَّنَتْ لَنَا الْآيَةُ الَّتِي فَسَّرْنَاهَا بَعْضَ حَالِ أُولَئِكَ الَّذِينَ نُهِيَ الْمُؤْمِنُونَ عَنِ اتِّخَاذِ الْبِطَانَةِ مِنْهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، فَدُونَكَ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي تُبَيِّنُ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَهُمْ.

هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ فَالْقُرْآنُ يَنْطِقُ بِأَفْصَحِ عِبَارَةٍ وَأَصْرَحِهَا وَاصِفًا الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَثَرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَهُمُ

الَّذِينَ لَا يُقَصِّرُونَ فِي إِفْسَادِ أَمْرِهِمْ وَتَمَنِّي عَنَتِهِمْ عَلَى أَنَّ بَغْضَاءَهُمْ لَهُمْ ظَاهِرَةٌ وَمَا خَفِيَ مِنْهَا أَكْبَرُ مِمَّا ظَهَرَ، أُولَئِكَ الْمُبْغِضُونَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ أَوْ فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ [٥: ٨٢] إِلَخْ. يَعْنِي أُولَئِكَ الْيَهُودَ الْمُجَاوِرِينَ لَهُمْ فِي الْحِجَازِ.

أَلَيْسَ حُبُّ الْمُؤْمِنِينَ لِأُولَئِكَ الْيَهُودِ الْغَادِرِينَ الْكَائِدِينَ وَإِقْرَارُ الْقُرْآنِ إِيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْإِسْلَامِ فِي نُفُوسِهِمْ، هُوَ أَقْوَى الْبَرَاهِينِ، عَلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ دِينُ حُبٍّ وَرَحْمَةٍ وَتَسَاهُلٍ وَتَسَامُحٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَوِّبَ الْعَقْلُ نَظَرَهُ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ فِي ذَلِكَ؟ بَلَى، وَلَكِنْ وُجِدَ فِي النَّاسِ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَصِفُهُ بِضِدِّهِ زُورًا وَبُهْتَانًا، بَلْ تَعَصُّبًا خَرُّوا عَلَيْهِ صُمًّا وَعُمْيَانًا.

مَنْ هُمُ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْإِسْلَامَ بِأَنَّهُ دِينُ بُغْضٍ وَعُدْوَانٍ؟ لَا أَقُولُ إِنَّهُمُ النَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا أَجْدَرَ بِحُبِّنَا وَوُدِّنَا مِنَ الْيَهُودِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي تَتِمَّةِ الْآيَةِ اسْتَشْهَدْنَا بِهَا آنِفًا: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينِ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى بَلْ هُمْ قُسُوسُ أُورُوبَّا الْمُتَعَصِّبُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دِينٌ، وَسَاسَتُهَا الْمُتَعَصِّبُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرْعٌ وَنِظَامٌ قَامَتْ بِهِ دُوَلٌ وَمَمَالِكُ. فَأُورُوبَّا الَّتِي تَتَّهِمُ الْإِسْلَامَ - وَالشَّرْقَ الْأَدْنَى كُلَّهُ لِأَجْلِ الْإِسْلَامِ -

<<  <  ج: ص:  >  >>