للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَارِسِيٌّ فَعُرِّبَ، وَقِيلَ إِنَّهُ مِنَ النَّارِ وَأَصْلُهُ سِجِّينٌ فَأُبْدِلَتْ نُونُهُ لَامًا. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ سِفْرِ التَّكْوِينِ، فَإِنْ صَحَّ يَكُونُ مِنْ بُرْكَانٍ مِنَ الْبَرَاكِينِ، وَمِثْلُ هَذَا الْمَطَرِ يَحْصُلُ عَادَةً بِإِرْسَالِ اللهِ إِعْصَارًا مِنَ الرِّيحِ يَحْمِلُ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْمُسْتَنْقَعَاتِ أَوِ الْأَنْهَارِ فَتُلْقِيهَا حَيْثُ يَشَاءُ، وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بِتَدْبِيرِ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْأَرْضِ - مَنْضُودٍ - أَيْ مُتَرَاكِبٍ بَعْضُهُ فِي أَثَرِ بَعْضٍ يَقَعُ طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ - مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ - لَهَا سُومَةٌ، أَيْ عَلَامَةٌ خَاصَّةٌ فِي عِلْمِ رَبِّكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ، أَيْ أَمْطَرْنَاهَا خَاصَّةً بِهَا لَا تُصِيبُ غَيْرَ أَهْلِهَا، أَوْ هِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ: سَوَّمْتُ فُلَانًا فِي مَالِي أَوْ فِي الْأَمْرِ إِذَا حَكَّمْتُهُ فِيهِ وَخَلَّيْتُهُ وَمَا يُرِيدُ، لَا تُثْنَى لَهُ يَدٌ فِي تَصَرُّفِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي هَذَا الْمَعْنَى الْآنَ مِنْ مُرَاجَعَةِ مَجَازِ الْأَسَاسِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ وَحَكَّمَهَا فِي

إِهْلَاكِهِمْ لَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ شَيْءٌ، كَمَا قَالَ فِي الْمَلَائِكَةِ الَّتِي أَمَدَّ اللهُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ - مُسَوِّمِينَ - ٣: ١٢٥ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُسْرِفِينَ أَنَّ هَذَا التَّسْوِيمَ كَانَ حِسِّيًّا بِخُطُوطٍ فِي أَلْوَانِهَا، وَأَمْثَالِ الْخَوَاتِيمِ عَلَيْهَا، أَوْ بِأَسْمَاءِ أَهْلِهَا، وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ أُمُورِ الْغَيْبِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِنَصٍّ عَنِ الْمَعْصُومِ وَلَا نَصَّ، وَمَا قُلْنَاهُ مَفْهُومٌ مِنَ اللَّفْظِ، وَمَعْقُولٌ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ فِيهِ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ.

- وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ - أَيْ وَمَا هَذِهِ الْعُقُوبَةُ أَوِ الْقُرَى أَوِ الْأَرْضُ الَّتِي حَلَّ بِهَا الْعَذَابُ الْمُخْزِي بِمَكَانٍ بَعِيدِ الْمَسَافَةِ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِتَكْذِيبِكَ وَالتَّمَّارِي بِنُذُرِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ، بَلْ هِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهُمْ وَاقِعَةٌ عَلَى طَرِيقِهِمْ فِي رِحْلَةِ الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقَيْنِ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرَنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ١٥: ٧٣ - ٧٦ أَيْ فِي طَرِيقٍ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَقَالَ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ بَعْدَ ذِكْرِ هَلَاكِهِمْ: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ٣٧: ١٣٧ و١٣٨ قَالَ الْجَلَالَ: - وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ - عَلَى آثَارِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ فِي أَسْفَارِكُمْ - مُصْبِحِينَ - أَيْ: وَقْتَ الصَّبَاحِ، يَعْنِي بِالنَّهَارِ - وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ - مَا حَلَّ بِهِمْ فَتَعْتَبِرُوا بِهِ. انْتَهَى.

وَالتَّعْبِيرُ بِصِفَةِ الظَّالِمِينَ وَكَوْنِ الْعُقُوبَةِ آيَةً مُرَادَةً لَا مُصَادِفَةً، يَجْعَلُ الْعِبَارَةَ عِبْرَةً لِكُلِّ الْأَقْوَامِ الظَّالِمَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَذَابُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَكَثْرَتِهِ وَعُمُومِهِ وَمَا دُونَهُمَا، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرَ أَنَّ هَذِهِ الْعَاقِبَةَ لَيْسَتْ بِبَعِيدَةٍ مِنَ الظَّالِمِينَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ بَلْ نَزَلَتْ بِهِمْ عَنِ اسْتِحْقَاقٍ، أَوْ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَقَدَّمَ هَذَا مَنْ قَدَّمَهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَأَخَّرَ مَا قُلْنَاهُ، وَلَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي تُؤَيِّدُهُ شَوَاهِدُ الْقُرْآنِ.

وَفِي خُرَافَاتِ الْمُفَسِّرِينَ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَلَعَهَا مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ بِجَنَاحِهِ، وَصَعِدَ بِهَا إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ أَصْوَاتَ الْكِلَابِ وَالدَّجَاجِ فِيهَا، ثُمَّ قَلَبَهَا قَلْبًا مُسْتَوِيًا فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، وَهَذَا تَصَوُّرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِ مُتَصَوِّرِهِ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>