للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ بَعِيدٍ فَقَدَ الِاسْتِعْدَادَ لِإِتْيَانِ النِّسَاءِ، أَوْ كَانَتْ تَعْتَقِدُ كَمَا يُعْتَقَدُ أَنَّ مِثْلَهُ فِي تِلْكَ السِّنِّ لَا يُولَدُ لَهُ، فَقَدْ قَالَ هُوَ لِلْمَلَائِكَةِ: - أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونِ - ١٥: ٥٤ وَيَكْفِي فِي خَرْقِ الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِيلِهَا هِيَ وَلِذَلِكَ أَنْكَرُوا عَلَيْهَا.

- قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ - هَذَا الِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ لِاسْتِفْهَامِهَا التَّعَجُّبِيِّ، أَيْ لَا يَنْبَغِي لَكِ أَنْ تَعْجَبِي مِنْ شَيْءٍ هُوَ مِنْ أَمْرِ اللهِ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، - إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ - ٣٦: ٨٢ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَجَبُ مِنْ وُقُوعِ مَا يُخَالِفُ سُنَّتَهُ - تَعَالَى - فِي خَلْقِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاضِعُ السُّنَنِ وَنِظَامِ الْأَسْبَابَ هُوَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهَا وَاقِعَةً يَجْعَلُهَا مِنْ آيَاتِهِ ; لِحِكْمَةٍ مِنْ حِكَمِهِ فِي عِبَادِهِ: - رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ - هَذِهِ جُمْلَةٌ دُعَائِيَّةٌ اسْتُجِيبَتْ، فَمَعْنَاهُ الَّذِي فَسَّرَهُ الزَّمَانُ إِلَى الْآنِ: رَحْمَةُ اللهِ الْخَاصَّةُ وَبَرَكَاتُهُ الْكَثِيرَةُ الْوَاسِعَةُ عَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، تَتَّصِلُ وَتَتَسَلْسَلُ فِي نَسْلِكُمْ وَذُرِّيَّتِكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا مَحَلَّ لِلْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ آيَاتِهِ - تَعَالَى - أَنْ يَهَبَ رَسُولَهُ وَخَلِيلَهُ الْوَلَدَ مِنْكُمَا فِي كِبَرِكُمَا وَشَيْخُوخَتِكُمَا، فَمَا هِيَ بِأَوَّلِ آيَاتِهِ لَهُ وَقَدْ نَجَّاهُ مِنْ نَارِ قَوْمِهِ الظَّالِمِينَ، وَآوَاهُ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكَ فِيهَا لِلْعَالَمِينَ.

وَهَذِهِ الرَّحْمَةُ وَالْبَرَكَاتُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِمْ، إِرْثٌ أَوْ تَجْدِيدٌ لِمَا هَبَطَ بِهِ نُوحٌ مِنَ السَّلَامِ وَالْبَرَكَاتِ عَلَيْهِ " وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَهُ " كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ (٤٨) - إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ - إِنَّهُ - جَلَّ جَلَالُهُ - مُسْتَوْجِبٌ لِأَنْوَاعِ الثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ، حَقِيقٌ بِأَسْنَى غَايَاتِ الْمَجْدِ، وَبِتَأْثِيلِهِمَا لِأَهْلِ الْبَيْتِ. وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَأَصْلُ الْمَجْدِ فِي اللُّغَةِ أَنْ تَقَعَ إِبِلٌ فِي أَرْضٍ وَاسِعَةِ الْمَرْعَى، يُقَالُ: مَجَدَتْ تَمْجُدُ (مِنْ بَابِ نَصَرَ) مَجْدًا وَمُجَادَةً، وَأَمْجَدَهَا الرَّاعِي، وَالْمَجْدُ فِي الْبُيُوتِ وَالْأَنْسَابِ مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ سَعَةِ كَرَمِ آبَائِهِ وَكَثْرَةِ نَوَالِهِمْ، وَوَصَفَ اللهُ كِتَابَهُ بِالْمَجِيدِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِهِ لِسَعَةِ هِدَايَةِ كِتَابِهِ، وَسَعَةِ كَرَمِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعَاءَ الصَّلَاةِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ أُمَّتَهُ عَقِبَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنَ الصَّلَاةِ.

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ

(٧٥) يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦) .

- فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ - أَيْ: فَمَا سُرِّيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَانْكَشَفَ مَا رَاعَهُ مِنَ الْخِيفَةِ وَالرُّعْبِ، إِذْ عَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الرُّسُلَ مِنْ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>