للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)

قَدْ خَتَمَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ الْجَامِعَةِ فَكَانَتْ خَيْرَ الْخَوَاتِيمِ فِي بَرَاعَةِ الْمَقْطَعِ. ذَلِكَ بِأَنَّنَا بَيَّنَّا فِي مَوَاضِعَ مِنْ تَفْسِيرِهَا أَنَّهَا أَجْمَعُ السُّورِ لِأُصُولِ الدِّينِ وَإِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَيْهَا وَدَفْعِ الشُّبَهَ عَنْهَا، وَلِإِبْطَالِ عَقَائِدِ الشِّرْكِ وَتَقَالِيدِهِ وَخُرَافَاتِ أَهْلِهِ. وَهَذِهِ الْخَاتِمَةُ مُنَاسِبَةٌ لِجُمْلَةِ السُّورَةِ فِي أُسْلُوبِهَا وَمَعَانِيهَا ; ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ مِمَّا امْتَازَتْ بِهِ السُّورَةُ كَثْرَةُ بَدْءِ الْآيَاتِ فِيهَا بِخِطَابِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةِ (قُلْ) لِأَنَّهَا لِتَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ، كَمَا كَثُرَ فِيهَا حِكَايَةُ أَقْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ مَبْدُوءَةً بِكَلِمَةِ (وَقَالُوا) مَعَ التَّعْقِيبِ عَلَيْهَا بِكَشْفِ الشُّبْهَةِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ - تَرَى بَعْدَ هَذَا وَذَاكَ فِي آخِرِ الْعُشْرِ الْأَوَّلِ وَأَوَّلِ الْعُشْرِ الثَّانِي مِنْهَا - فَجَاءَتْ هَذِهِ الْخَاتِمَةُ بِالْأَمْرِ الْأَخِيرِ لَهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمُ الْقَوْلَ الْجَامِعَ لِجُمْلَةِ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ أَنَّ مَا فُصِّلَ فِي السُّورَةِ هُوَ صِرَاطُ اللهِ الْمُسْتَقِيمُ، وَدِينُهُ الْقَيِّمُ الَّذِي هُوَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ، دُونَ مَا يَدَّعِيهِ الْعَرَبُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ الْمُحَرِّفُونَ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ إِنَّمَا يَدْعُو إِلَيْهِ وَهُوَ مُعْتَصِمٌ بِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا وَإِيمَانًا وَتَسْلِيمًا عَلَى أَكْمَلِ وَجْهِهِ، فَهُوَ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَخْلَصُ الْمُوَحِّدِينَ، وَأَخْشَعُ الْعَابِدِينَ، بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ تَجْدِيدِ الدِّينِ وَإِكْمَالِهِ بَعْدَ

تَحْرِيفِهِ وَانْحِرَافِ جَمِيعِ الْأُمَمِ عَنْ صِرَاطِهِ، وَأَنَّ تَوْحِيدَ الْأُلُوهِيَّةِ الَّذِي يُخَالِفُنَا فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مَبْنِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>