للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَنَازُعًا عَلَى الرِّيَاسَةِ، فَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ شِيعَةٍ تَنْتَحِلُ مَذْهَبًا وَتُعَادِي مَنْ يُخَالِفُهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا أُوتُوا الْكُتَّابَ لِجَمْعِ الْكَلِمَةِ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ إِنْزَالِ اللهِ الْكُتُبَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فِي الْآيَةِ (٢: ٢١٣) الْجَامِعَةِ - وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ - أَيْ: فِي الدُّنْيَا بِإِهْلَاكِ الْبُغَاةِ الْمُثِيرِينَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ بِأَهْوَائِهِمْ، وَإِبْقَاءِ الْمُعْتَصِمِينَ بِالْوَحْدَةِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى هِدَايَتِهِ، كَمَا أَهْلَكَ

الَّذِينَ رَدُّوا دَعْوَةَ الرُّسُلِ جُحُودًا وَعِنَادًا، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ إِنْظَارُهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا التَّعْلِيقِ بِالْكَلِمَةِ فِي جَمِيعِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي (١٠: ١٩) ثُمَّ فُسِّرَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِقَوْلِهِ: - إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ - ١٠: ٩٣ وَمِثْلُهُ فِي (٤٥: ١٧) وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ١١٨ هُنَا - وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ - الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي قَوْمِ مُوسَى وَكِتَابِهِمُ التَّوْرَاةِ، أَيْ: إِنَّهُمْ لَمُرْتَكِسُونَ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِ كِتَابِهِمْ مُوقِعٍ فِي الرَّيْبِ وَالِاضْطِرَابِ.

وَذَهَبَ بَعْضُ كِبَارِ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهُ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ وَأَمْثَالِهِمُ الَّذِينَ شَكُّوا فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَالسِّيَاقِ، وَمَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ مِنَ السُّوَرِ الْأُخْرَى، وَمِثْلُهَا فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ - (فُصِّلَتْ) - بِنَصِّهَا، وَفِي مَعْنَاهَا مِنْ سُورَةِ الشُّورَى مَا يُفَسِّرُ الْإِجْمَالَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَيُفَصِّلُهُ، فَإِنَّهُ بَعْدَ ذِكْرِ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقُرْآنِ وَاخْتِلَافِ الْبَشَرِ فِيهِ وَحُكْمِهِ - تَعَالَى - هُوَ فِي الِاخْتِلَافِ قَالَ: - شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ - ٤٢: ١٣ و١٤ فَهَذِهِ الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ تَفْسِيرٌ لِآيَتَيْ هُودٍ وَحم السَّجْدَةِ (فُصِّلَتْ) فَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَاتِ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ وَقَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَؤُلَاءِ قَدْ عَرَضَ لَهُمْ مِنَ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ فِي كُتُبِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ سَلَفِهِمْ، فَإِنَّ التَّوْرَاةَ الَّتِي كَتَبَهَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ فُقِدَتْ فِي إِحْرَاقِ الْبَابِلِيِّينَ لِهَيْكَلِ سُلَيْمَانَ كَمَا بَيَّنَّاهُ مُفَصَّلًا مِنْ قَبْلُ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ - تَعَالَى - فِي عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: - وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ - ٣: ٤٨ فَهُوَ لَمْ يَأْخُذِ التَّوْرَاةَ مِنْ أَيْدِي الْيَهُودِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ عَزْرَا كَتَبَهَا بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ سَبْيِ بَابِلَ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِمَا كَانُوا يُخَالِفُونَهُ مِمَّا حَفِظُوهُ مِنْهَا، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي كُتُبِهِمْ وَفِي شَرْعِهِمْ إِلَى مَذَاهِبَ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَكَانُوا أَشَدَّ اخْتِلَافًا فِي كُتُبِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ كَمَا فَصَّلْنَاهُ مِنْ قَبْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>