للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَنْمِيَتِهِ وَرُجْحَانِ مَصْلَحَتِهِ، وَالْإِنْفَاقِ مِنْهُ عَلَى تَرْبِيَتِهِ وَتَعْلِيمِهِ مَا يَصْلُحُ بِهِ مَعَاشُهُ وَمَعَادُهُ، وَالنَّهْيُ عَنْ قُرْبِ الشَّيْءِ أَبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنِ الْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِلِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَيْهِ وَتُوقِعُ فِيهِ، وَعَنِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ فِيهِ، فَيَحْذَرُهَا التَّقِيُّ إِذْ يَعُدُّهَا هَضْمًا لِحَقِّ الْيَتِيمِ، وَيَقْتَحِمُهَا الطَّامِعُ إِذْ يَرَاهَا بِالتَّأْوِيلِ مِمَّا يَحِلُّ لَهُ لِعَدَمِ ضَرَرِهَا بِالْيَتِيمِ، أَوْ لِرُجْحَانِ نَفْعِهَا لَهُ عَلَى ضَرَرِهَا، كَأَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا بِوَسِيلَةٍ لَهُ فِيهِ رِبْحٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِي عَمَلٍ لَوْلَاهُ لَمْ يَرْبَحْ وَلَمْ يَخْسَرْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْمُفَصَّلَةِ فِي الْيَتَامَى مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَتَفْسِيرِ (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) (٢: ٢٢٠) مِنَ الْبَقَرَةِ مَا يُغْنِي عَنِ التَّطْوِيلِ هُنَا فِي تَحْرِيرِ مَسْأَلَةِ مَالِ الْيَتِيمِ وَمُخَالَطَتِهِ فِي الْمَعِيشَةِ وَالْمُعَامَلَةِ. (رَاجِعْ ص٢٧١ وَمَا بَعْدَهَا ج ٢ ط الْهَيْئَةِ)

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) هُوَ غَايَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْ هَذَا الْقُرْبِ لِمَالِهِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّرْهِيبِ عَنِ التَّعَامُلِ فِيهِ - أَوْ غَايَةٌ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ النَّهْيَ مِنْ إِيجَابِ حِفْظِ مَالِهِ حَتَّى مِنْهُ هُوَ ; فَإِنَّ الْوَلِيَّ أَوِ الْوَصِيَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْمَحَ لِلْيَتِيمِ بِتَبْدِيدِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَإِضَاعَتِهِ أَوِ الْإِسْرَافِ فِيهِ. وَبُلُوغُ الْأَشُدِّ عِبَارَةٌ عَنْ بُلُوغِهِ سِنَّ الرُّشْدِ وَالْقُوَّةِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ يَتِيمًا أَوْ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ هَلْ هُوَ مُفْرَدٌ، أَوْ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ، أَوْ لَهُ وَاحِدٌ. قَالَ فِي اللِّسَانِ: وَالْأَشُدُّ مَبْلَغُ الرَّجُلِ الْحِنْكَةَ وَالْمَعْرِفَةَ - وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَفْسِيرِنَا أَوْ حُجَّةٌ لَهُ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ سِيدَهْ: بَلَغَ الرَّجُلُ أَشُدَّهُ إِذَا اكْتَهَلَ، وَنَقَلَ عَنْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ أَقْوَالًا

فِي لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ بَلَغَتْ ثُلْثَيْ وَرَقَةٍ مِنْهُ، وَمُلَخَّصُ الْمَعْنَى أَنَّ لَهُ طَرَفَيْنِ أَدْنَاهُمَا الِاحْتِلَامُ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ سِنِّ الْقُوَّةِ وَالرُّشْدِ، وَنِهَايَتُهُ سِنُّ الْأَرْبَعِينَ وَهِيَ الْكُهُولَةُ إِذَا اجْتَمَعَتْ لِلْمَرْءِ حِنْكَتُهُ وَتَمَامُ عَقْلِهِ - قَالَ - فَبُلُوغُ الْأَشُدِّ مَحْصُورُ الْأَوَّلِ مَحْصُورُ النِّهَايَةِ غَيْرُ مَحْصُورِ مَا بَيْنَ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَآخَرُونَ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ: يَعْنِي حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَالِاحْتِلَامُ يَكُونُ غَالِبًا بَيْنَ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ وَالثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْأَشُدُّ سِنُّ الثَّلَاثِينَ، وَقِيلَ: سِنُّ الْأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: السِّتِّينَ. وَالْأَخِيرُ بَاطِلٌ، وَمَا قَبْلَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) (٤٦: ١٥) وَلَكِنْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذَا لَا يَظْهَرُ هُنَا.

وَأَقُولُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنْ قُرْبِ مَالِ الْيَتِيمِ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ تَعَدٍّ عَلَيْهِ وَهَضْمٍ لَهُ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ، خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَ الْخَطَابَ فِيهِ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ خَاصَّةً، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ جَعْلُ (حَتَّى) غَايَةً لِلنَّهْيِ، وَجَعْلُ " الْأَشُدِّ " بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ سِنُّ الْقُوَّةِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ بِالتَّجَارِبِ، وَالْحَدِيثُ الْعَهْدِ بِالِاحْتِلَامِ يَكُونُ ضَعِيفَ الرَّأْيِ قَلِيلَ التَّجَارِبِ فَيُخْدَعُ كَثِيرًا. وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَأَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَفْكَارِ الْمَادِّيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>