للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِأَشْرَفِ أَوْصَافِهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ الشَّاهِدِينَ هُنَا هُمُ الشُّهَدَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (٢: ١٤٣) ورُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمُّتُهُ، أَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَأَنَّ الرَّسُولَ قَالَ: " قَدْ بَلَّغْتُ " كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الشَّهَادَةَ لِلرُّسُلِ تَسْتَلْزِمُ الشَّهَادَةَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، وَإِلَّا كَانَ هَذَا التَّفْسِيرُ غَيْرَ ظَاهِرٍ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَرْءِ ضِدُّ الشَّهَادَةِ لَهُ، وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا يُرَادُ بِهَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَشْهَدُ عَلَى

الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُبْطِلِينَ لِكَوْنِهَا مَظْهَرًا لِلدِّينِ الْحَقِّ الَّذِي جَحَدُوهُ أَوْ ضَلُّوا عَنْهُ، وَقَدْ حَقَّقْنَا الْقَوْلَ فِي بَيَانِ مَعْنَى الشُّهَدَاءِ فِي تَفْسِيرِ (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (٢: ١٤٣) فِي (ص ٥ج ٣ط الْهَيْئَةِ) (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ) (٤: ٦٩) فِي (ص ١٩٧ ج٥ ط الْهَيْئَةِ) .

(وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) . هَذَا تَتِمَّةُ قَوْلِهِمْ، وَالْمَعْنَى: أَيُّ مَانِعٍ يَمْنَعُنَا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ وَبِمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ عَلَى لِسَانِ هَذَا الرَّسُولِ، بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَنَا أَنَّهُ الْبَارَقْلِيطُ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ الْمَسِيحُ، وَالْحَالُ أَنَّنَا نَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ، وَالَّذِينَ صَلُحَتْ أَنْفُسُهُمْ بِالْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ، وَالْفَضَائِلِ الْكَامِلَةِ، وَالْعِبَادَاتِ الْخَاصَّةِ، وَالْمُعَامَلَاتِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وَهُمْ أَتْبَاعُ هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، الَّذِينَ رَأَيْنَا أَثَرَ صَلَاحِهِمْ بِأَعْيُنِنَا بَعْدَ مَا كَانَ فَسَادُهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ مَا كَانَ؟ أَيْ لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا الْإِيمَانِ بَعْدَ تَحْقِيقِ مُوجِبِهِ، وَقِيَامِ سَبَبِهِ، فَسَرُّوا الْقَوْمَ الصَّالِحِينَ بِأَصْحَابِ الرَّسُولِ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ آمَنَ مِنْ نَصَارَى الْحَبَشَةِ، وَكُلُّ مَنْ سَارَ عَلَى طَرِيقِهِمْ يُعَدُّ مِنْهُمْ وَيُحْشَرُ مَعَهُمْ.

(فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) أَيْ فَجَزَاهُمُ اللهُ تَعَالَى وَأَعْطَاهُمْ مِنَ الثَّوَابِ بِقَوْلِهِمُ الَّذِي عَبَّرُوا بِهِ عَنْ إِيمَانِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ بَسَاتِينَ وَحَدَائِقَ فِي دَارِ النَّعِيمِ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ يُخَلَّدُونَ فِيهَا، فَلَا هِيَ تُسْلَبُ مِنْهُمْ وَلَا هُمْ يَرْغَبُونَ عَنْهَا وَيَتْرُكُونَهَا، وَذَلِكَ النَّوْعُ مِنَ الثَّوَابِ جَزَاءُ جَمِيعِ الْمُحْسِنِينَ فِي سِيرَتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنَ الْآيَاتِ الْأُخْرَى أَنَّ فِي تِلْكَ الْجَنَّاتِ، الدُّورَ وَالْقُصُورَ وَالنَّعِيمَ الرُّوحَانِيَّ وَالرِّضْوَانَ الْإِلَهِيَّ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ الْكَلَامُ وَيُحِيطَ بِهِ الْوَصْفُ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ الْعَالَمِ فِي حَقِيقَتِهِ وَخَوَاصِّهِ (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (٣٢: ١٧) .

وَهُنَاكَ مَا وَرَدَ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ عَنْ أَهْلِ الْأَثَرِ:

أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>