للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣)

هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي تَبْلِيغِ دَعْوَةِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ وَرَدِّهِمْ لَهَا وَاحْتِجَاجِهِ عَلَيْهِمْ.

- وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ - هَذَا نَصُّ مَا تَقَدَّمَ فِي تَبْلِيغِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: - هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ - أَيْ هُوَ بَدَأَ خَلْقَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ بِخَلْقِ أَبِيكُمْ آدَمَ مِنْهَا مُبَاشَرَةً، ثُمَّ يُخْلَقُ كُلٌّ مِنْكُمْ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ النُّطْفَةَ الَّتِي تَتَحَوَّلُ فِي الرَّحِمِ إِلَى عَلَقَةٍ فَمُضْغَةٍ فَهَيْكَلٍ عَظْمِيٍّ يُحِيطُ بِهِ لَحْمٌ هِيَ مِنَ الدَّمِ، وَالدَّمُ مِنَ الْغِذَاءِ، وَالْغِذَاءُ الْغَالِبُ إِمَّا نَبَاتٌ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِمَّا لَحْمٌ يَرْجِعُ إِلَى النَّبَاتِ فِي طَوْرٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ - وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا - أَيْ: وَجَعَلَكُمْ عُمَّارًا فِيهَا مِنَ الْعُمْرَانِ، فَقَدْ كَانُوا زُرَّاعًا وَصُنَّاعًا وَبَنَّائِينَ: وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ ١٥: ٨٢ وَقِيلَ: مِنَ الْعُمُرِ، أَيْ أَطَالَ أَعْمَارَكُمْ فِيهَا،

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَاسْتُعْمِلَ الِاسْتِعْمَارُ فِي عَصْرِنَا بِمَعْنَى اسْتِيلَاءِ الدُّوَلِ الْقَوِيَّةِ عَلَى بِلَادِ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَاسْتِثْمَارِهَا وَاسْتِعْبَادِ أَهْلِهَا لِمَصَالِحِهِمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ هُوَ الْمُنْشِئُ لِخَلْقِكُمْ وَالْمُمِدُّكُمْ بِأَسْبَابِ الْعُمْرَانِ وَالنِّعَمِ فِيهَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَعْبُدُوا فِيهَا غَيْرَهُ ; لِأَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الْفَضْلِ كُلِّهِ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ - فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ - أَيْ: فَاسْأَلُوهُ أَنْ يَغْفِرَ لَكُمْ مَا أَشْرَكْتُمْ وَمَا أَجْرَمْتُمْ، ثُمَّ تُوبُوا وَارْجِعُوا إِلَيْهِ كُلَّمَا وَقَعَ مِنْكُمْ ذَنْبٌ أَوْ خَطَأٌ، وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي دَعْوَةِ هُودٍ قَرِيبًا وَفِي دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ السُّورَةِ - إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ - قَرِيبٌ مِنْ عِبَادِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ اسْتِغْفَارِهِمْ، وَالْبَاعِثُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>