للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمْثَالِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ كُنْهَ حَالِهِمْ، وَلَا سُوءَ مَآلِهِمْ، وَمَا هُوَ سَبَبُهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، فَأَمَّا حَالُهُمْ فِي التَّخَلُّفِ وَطَلَبِ الْقُعُودِ مَعَ الْخَوَالِفِ بِغَيْرِ أَدْنَى عُذْرٍ، فَهُوَ رِضًا بِالذُّلِّ وَالْمَهَانَةِ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْأَفْرَادِ عَنِ الْقِتَالِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الشُّعُوبُ وَالْأَقْوَامُ، وَرِضَاءَ الرِّجَالِ بِالِانْتِظَامِ فِي سِلْكِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، يُعَدُّ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مِنْ

أَعْظَمِ مَظَاهِرِ الْخِزْيِ وَالْعَارِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَقْوَى آيَاتِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَأَمَّا مَآلُهُمْ وَسُوءُ عَاقِبَتِهِمْ فَهُوَ مَا فَضَحَهُمُ اللهُ بِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَمَا شَرَعَهُ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ جِهَادِهِمْ وَإِهَانَتِهِمْ، وَعَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى مُعَامَلَتِهِمْ بِظَاهِرِ إِسْلَامِهِمْ، وَمَا أَعَدَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَالْخِزْيِ الدَّائِمِ فِي نَارِ الْجَحِيمِ.

وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ بِمَعْنَى الْآيَاتِ (٨٦، ٨٧، ٨٨) وَلَكِنْ أَسْنَدَ فِعْلَ الطَّبْعِ عَلَى الْقُلُوبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى اسْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُنَالِكَ أَسْنَدَ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَالْمُرَادُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ بَيَانُ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فِي عَلَاقَةِ الْأَعْمَالِ، بِالْعَقَائِدِ وَالسَّجَايَا وَالْأَخْلَاقِ، إِلَّا أَنَّ التَّصْرِيحَ بِاسْمِ اللهِ تَعَالَى فِيهِ مَزِيدُ إِهَانَةٍ لَهُمْ. وَعَبَّرَ هُنَا بِالْعِلْمِ وَهُنَاكَ بِالْفِقْهِ، وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِدْرَاكُ وَالْعِرْفَانُ الصَّحِيحُ الَّذِي يَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، وَلَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ الْعِلْمِ تَيَقُّنُ الْمَعْلُومِ، وَمِنَ الْفِقْهِ تَأْثِيرُ الْعِلْمِ فِي النَّفْسِ.

نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُوقِنِينَ، الْفُقَهَاءِ الْمُعْتَبِرِينَ، الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ، الْعَامِلِينَ الْمُخْلِصِينَ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِإِتْمَامِ تَفْسِيرِ كِتَابِهِ بِالْحَقِّ، النَّافِعِ لِلْخَلْقِ، وَيَهْدِينَا جَمِيعًا لِلْعَمَلِ بِهِ، وَالِاسْتِضَاءَةِ بِنُورِهِ، وَيُؤْتِي هَذِهِ الْأُمَّةَ بِهِ مَا وَعَدَهَا مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

تَمَّ تَفْسِيرُ الْجُزْءِ الْعَاشِرِ كِتَابَةً وَتَحْرِيرًا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ سَنَةَ ١٣٤٩ - وَقَدِ اعْتَمَدْنَا جَعْلَ آيَةِ ٩٣ إِنَّمَا السَّبِيلُ إِلَخْ مِنْهُ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى الَّذِي كَانَتْ بِهِ مُتَمِّمَةً لِمَا قَبْلَهَا، وَهِيَ فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ أَوَّلُ الْجُزْءِ الْحَادِي عَشَرَ - وَكُنَّا بَدْأَنَا بِهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ١٣٤٦ وَنُشِرَ فِي الْمُجَلَّدَاتِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ وَالْحَادِيَ وَالثَّلَاثِينَ مِنَ الْمَنَارِ.

وَنَرْجُو أَنْ يُوَفِّقَنَا اللهُ تَعَالَى لِإِنْجَازِ تَفْسِيرِ كُلِّ جُزْءٍ مِمَّا بَقِيَ فِي أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ.

مَعَ الِاخْتِصَارِ غَيْرِ الْمُخِلِّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>