(لَا رَيْبَ فِيهِ) مَعْنَاهُ: أَنَّنَا مُوقِنُونَ بِهِ لَا شَكَّ فِيهِ ; لِأَنَّكَ أَخْبَرْتَ بِهِ وَوَعَدْتَ وَأَوْعَدْتَ بِالْجَزَاءِ فِيهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَعْنَى ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ [٢: ٢] أَيْ
أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَرْتَابَ فِيهِ ; فَإِنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ عَنِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ، وَالْكَلَامَ هُنَا حِكَايَةٌ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ ; وَلِذَلِكَ عَلَّلَ نَفْيَ الرَّيْبِ بِنَفْيِ إِخْلَافِ الْمِيعَادِ، وَجِيءَ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ عَنِ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ لِلْإِشْعَارِ بِهَذَا التَّعْلِيلِ، هَذَا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الْجُمْلَةَ كَالدُّعَاءِ مِنْ كَلَامِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، وَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِهِ - تَعَالَى - لِتَقْرِيرِ قَوْلِهِمْ وَدُعَائِهِمْ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ مُنَاسَبَةَ هَذَا الدُّعَاءِ لِلْإِيمَانِ بِالْمُتَشَابِهِ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُتَشَابِهَ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الْآخِرَةِ، أَيْ أَنَّهُمْ كَمَا يُؤْمِنُونَ بِمَضْمُونِهِ وَالْمُرَادِ مِنْهُ وَمَا يَئُولُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ يَوْمَ الْجَمْعِ ; لِيَسْتَشْعِرُوا أَنْفُسَهُمُ الْخَوْفَ مِنْ تَسَرُّبِ الزَّيْغِ الَّذِي يُبْسِلُهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
فَهَذَا الْخَوْفُ هُوَ مَبْعَثُ الْحَذَرِ وَالتَّوَقِّي مِنَ الزَّيْغِ. أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا مَا مِثَالُهُ: يُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا قَبْلَهَا فِي تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ سَوَاءٌ كَانَ رَدًّا عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ أَوْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا ; فَإِنَّ التَّوْحِيدَ لَمَّا كَانَ أَهَمَّ رُكْنٍ لِلْإِسْلَامِ كَانَ مِمَّا تُعْرَفُ الْبَلَاغَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute