للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّتِي فِيهِ، فَالَّذِي يَعْلُقُ بِهَا يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِيهَا وَهِيَ مِثْلُهُ ذَاتُ نَوَاةٍ أَوْ نُوَيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَحْصُلُ التَّلْقِيحُ بِاقْتِرَانِ النُّوَيَّتَيْنِ.

وَيَقُولُونَ: إِنَّ بُوَيْضَاتِ النَّسْلِ تَكُونُ فِي الْبِنْتِ مِنِ ابْتِدَاءِ خَلْقِهَا فَتُولَدُ وَفِيهَا أُلُوفٌ مِنْهَا مَعْدُودَةٌ لَا تَزِيدُ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهَا تَسْقُطُ مِنْهَا فِي زَمَنِ الطُّفُولَةِ، ثُمَّ تَتَكَوَّنُ فِيهَا بُوَيْضَاتُ النَّسْلِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِسَبَبِ دَمِ الْحَيْضِ، ذَلِكَ بِأَنَّ فِي دَاخِلِ الرَّحِمِ عُضْوَيْنِ مُصْمَتَيْنِ يُشْبِهَانِ خُصْيَتَيِ الرَّجُلِ يُسَمَّيَانِ الْمِبْيَضَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي دَاخِلِهِمَا بُوَيْضَاتٍ دَقِيقَةً جِدًّا لَا تُرَى إِلَّا بِالْمَنَاظِيرِ الْمُكَبِّرَةِ تَكُونُ فِي حُوَيْصِلَاتٍ يَقْتَرِبُ بَعْضُهَا مِنْ سَطْحِ الْمِبْيَضِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى يَنْفَجِرَ فَتَخْرُجُ مِنْهُ الْبُوَيْضَةُ إِلَى بُوقِ الرَّحِمِ، فَتَكُونُ مُسْتَعِدَّةً بِذَلِكَ لِتَلْقِيحِ الْحَيَوَانِ الْمَنَوِيِّ لَهَا، وَأَكْثَرُهَا يَضْمُرُ بِالتَّدْرِيجِ إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ وَلَا يَنْفَجِرَ، وَإِنَّمَا يَنْفَجِرُ مَا يَنْفَجِرُ مِنْهَا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ كُلَّ حَيْضَةٍ تُفَجِّرُ حُوَيْصَلَةً وَاحِدَةً، تَكُونُ مِنْهَا بُوَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْغَالِبِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِالتَّنَاوُبِ بَيْنَ الْمِبْيَضَيْنِ مَرَّةً فِي الْأَيْمَنِ وَمَرَّةً فِي الْأَيْسَرِ، وَقَدِ اهْتَدَى أَحَدُ الْأَطِبَّاءِ بِالتَّجَارِبِ الطَّوِيلَةِ إِلَى أَنَّ الْبُوَيْضَةَ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمِبْيَضِ الْأَيْمَنِ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الذَّكَرُ وَالَّتِي تَكُونُ فِي الْمِبْيَضِ الْأَيْسَرِ تَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْأُنْثَى، وَأَنَّهُ مَتَى عُرِفَ بِوَضْعِ الْمَرْأَةِ أَوَّلَ وَلَدٍ لَهَا مَتَى كَانَ حَمْلُهَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ بَعْدَ ذَلِكَ دَوْرُ بُوَيْضَةِ الذَّكَرِ وَدَوْرُ بُوَيْضَةِ الْأُنْثَى فِي الْغَالِبِ، وَيَكُونُ لِلزَّوْجَيْنِ كَسْبٌ وَاخْتِيَارٌ لِنَوْعِ الْمَوْلُودِ إِنْ قَدَّرَهُ اللهُ لَهُمَا. وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَفْسِيرِ (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) (٦: ٥٩) مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ. وَأَمَّا التَّوْأَمَانِ فَسَبَبُهُمَا إِمَّا انْفِجَارُ بُوَيْضَتَيْنِ فَأَكْثَرَ شُذُوذًا، وَإِمَّا اشْتِمَالُ الْبُوَيْضَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى نُوَيَّتَيْنِ يُلَقَّحَانِ مَعًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الِاسْتِطْرَادَ لِلِاعْتِبَارِ بِقُدْرَةِ الْخَالِقِ وَسِعَةِ عِلْمِهِ وَدَقَائِقِ حِكْمَتِهِ بَعْدَ تَوْفِيَةِ مَسْأَلَةِ الْبَعْثِ حَقَّهَا مِنَ الْبَحْثِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ بَحْثُ التَّكْوِينِ فِي سِيَاقِ خَلْقِ آدَمَ فِي أَوَائِلِ السُّورَةِ.

ضَرَبَ اللهُ إِحْيَاءَ الْبِلَادِ بِالْمَطَرِ، مَثَلًا لِبَعْثِ الْبَشَرِ، ثُمَّ ضَرَبَ اخْتِلَافَ إِنْتَاجِ الْبِلَادِ، مَثَلًا لِمَا فِي الْبَشَرِ مِنِ اخْتِلَافِ الِاسْتِعْدَادِ، لِلْغَيِّ وَالرَّشَادِ، فَقَالَ:

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا) .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، أَيْ وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْأَرْضَ مِنْهَا الطَّيِّبَةُ الْكَرِيمَةُ التُّرْبَةِ الَّتِي يَخْرُجُ نَبَاتُهَا بِسُهُولَةٍ. وَيُنَمَّى بِسُرْعَةٍ، وَيَكُونُ كَثِيرَ الْغَلَّةِ طَيِّبَ الثَّمَرَةِ، وَمِنْهَا الْخَبِيثَةُ التُّرْبَةِ كَالْحَرَّةِ السَّبِخَةِ الَّتِي لَا يَخْرُجُ نَبَاتُهَا عَلَى قِلَّتِهِ وَخُبْثِهِ - إِنْ أَنْبَتَتْ - إِلَّا بِعُسْرٍ وَصُعُوبَةٍ. قَالَ الرَّاغِبُ: النَّكِدُ كُلُّ شَيْءٍ خَرَجَ إِلَى طَالِبِهِ بِتَعَسُّرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>