نَعَمْ إِنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَحْمِلَ الْحَيَوَانُ الْمَنَوِيُّ الَّذِي يُلَقِّحُ بُوَيْضَةَ الْمَرْأَةِ فِي الرَّحِمِ ذَرَّةً حَيَّةً هِيَ أَصْلُ الْإِنْسَانِ. كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَيَوَانُ الْمَنَوِيُّ
نَفْسُهُ هُوَ الَّذِي يُنَمَّى فِي الْبُوَيْضَةِ وَيَكُونُ إِنْسَانًا، وَأَنَّ أَصْلَهُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنِ ازْدِوَاجِ خَلِيَّتِهِ بِخَلِيَّتِهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَأَيُّهَا كَانَ أَصْلُ الْإِنْسَانِ فَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِكِبَرِهِ وَنَمَائِهِ كَمَا تَكُونُ نَوَاةُ الشَّجَرَةِ شَجَرَةً بَاسِقَةً مُثْمِرَةً، وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْفَرْعُ عَيْنَ الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَصْلٌ آخَرُ بِشَكْلٍ مُصَغَّرٍ فِي هَذَا الْهَيْكَلِ لَا فِي الْقَلْبِ وَلَا فِي الْمَنِيِّ، وَإِنَّمَا قَدْ يَكُونُ فِي هَيْكَلِهِ أَصْلٌ وَأُصُولٌ لِأَنَاسِيِّ آخَرِينَ يَكُونُونَ فُرُوعًا لَهُ إِذَا أَرَادَ اللهُ ذَلِكَ، كَمَا يَكُونُ لِلنَّخْلَةِ النَّابِتَةِ مِنَ النَّوَاةِ نَوَى كَثِيرَةً يُمْكِنُ أَنْ يَنْبُتَ مِنْهَا نَخْلٌ كَثِيرٌ.
وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَهُوَ أَنَّ سِرَّ حَرَكَةِ الْقَلْبِ وَإِنْ كَانَ لَا يَزَالُ مَجْهُولًا، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّمَ الْوَارِدَ مِنْهُ إِلَى الْخِصْيَتَيْنِ هُوَ الَّذِي يُغَذِّيهِمَا، وَبِتَغَذِّيهِمَا بِهِ تَنْقَسِمُ خَلَايَاهُمَا فَتَتَوَلَّدُ الْحَيَوَانَاتُ الْمَنَوِيَّةُ مِنِ انْقِسَامِهَا وَتِلْكَ سُنَّةُ اللهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْيَاءِ، تَتَغَذَّى بِالتَّوَالُدِ الَّذِي يَكُونُ مِنِ انْقِسَامِ الْخَلَايَا الَّتِي تَتَكَوَّنُ بِنْيَتُهَا مِنْهَا، وَمِنْ غَرِيبِ صُنْعِ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ أَنَّ فِي كُلِّ خَلِيَّةٍ مِنْ خَلَايَا الْأَجْسَادِ الْحَيَّةِ نُوَيَّتَيْنِ (تَصْغِيرُ نَوَاةِ) صَغِيرَتَيْنِ تَتَوَلَّدُ الْخَلِيَّةُ الْجَدِيدَةُ بِاقْتِرَانِهِمَا، فَسُنَّةُ الزَّوَاجِ عَامَّةٌ فِي أَنْوَاعِ الْأَحْيَاءِ وَفِي دَقَائِقِ بِنْيَةِ كُلٍّ مِنْهَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَقْصُورَةِ:
وَسُنَّةُ الزَّوَاجِ فِي النِّتَاجِ بَلْ كُلُّ تَوَلُّدٍ تَرَاهُ فِي الدُّنَا فَاجْتَلَّهُ فِي الْحَيَوَانِ نَاطِقًا وَأَعْجَمًا وَفِي النَّبَاتِ الْمُجْتَنَى بَلْ كُلُّ ذَرَّةٍ بَدَتْ فِي بِنْيَةٍ زَادَ بِهَا الْحَيُّ امْتِدَادًا وَنَمَى خَلِيَّةٌ تُقْرَنُ فِي غُضُونِهَا نُوَيَّتَانِ فَإِذَا الْفَرْدُ زَكَا
وَالْحَيَوَانَاتُ الْمَنَوِيَّةُ تَتَوَلَّدُ مِنَ الْخَلَايَا الْمُبَطَّنَةِ بِهَا الْخُصْيَةُ مِنْ دَاخِلِهَا بِسَبَبِ تَغْذِيَةِ الدَّمِ لَهَا وَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُودِ سَبَبٍ خَفِيٍّ لِذَلِكَ كَذَرَّاتٍ حَيَّةٍ لَا تُرَى فِي الْمَنَاظِيرِ الْمُكَبِّرَةِ الْمَعْرُوفَةِ الْآنَ، فَهُمْ يَقُولُونَ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُوجَدَ مَنَاظِيرُ أَرْقَى مِنْهَا يَرَى فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ هَذِهِ الْجِنَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْبَكْتِرْيَا مَا لَا يُرَى الْآنَ.
وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْحَيَوَانَ الْمَنَوِيَّ لَهُ خَلِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَهُ رَأْسٌ وَجِسْمٌ وَذَنَبٌ
وَرَأْسُهُ هُوَ نَوَاةُ الْخَلِيَّةِ، وَهُوَ سَرِيعُ الْحَرَكَةِ شَدِيدُ الِاضْطِرَابِ، وَيَتَوَلَّدُ مِنْ عَهْدِ بُلُوغِ الْحُلُمِ لَا قَبْلَهُ، فَإِذَا وَصَلَتْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ إِلَى رَحِمِ الْأُنْثَى مَعَ الْمَنِيِّ الَّذِي يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ تَبْحَثُ بِطَبِيعَتِهَا عَنِ الْبُوَيْضَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute