للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَدْ تَرَكَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ قُرُونٍ طَوِيلَةٍ، وَلَوْ وُجِدَتْ فِي الْأَرْضِ حُكُومَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ تُقِيمُ الْقُرْآنَ وَتُحَوِّطُ الدِّينَ وَأَهْلَهُ بِمَا أَوْجَبَهُ مِنْ إِعْدَادِ كُلِّ مَا يُسْتَطَاعُ مِنْ قُوَّةٍ وَاسْتِعْدَادٍ لِلْحَرْبِ حَتَّى تَكُونَ أَقْوَى دَوْلَةٍ حَرْبِيَّةٍ ثُمَّ إِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ تَتَجَنَّبُ الِاعْتِدَاءَ فَلَا تَبْدَأُ غَيْرُهَا بِقِتَالٍ بِمَحْضِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ، بَلْ تَقِفُ عِنْدَ تِلْكَ الْحُدُودِ الْعَادِلَةِ فِي الْهُجُومِ وَالدِّفَاعِ، لَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْحُكُومَةُ لَاتَّخَذَهَا أَهْلُ الْمَدَنِيَّةِ الصَّحِيحَةِ قُدْوَةً صَالِحَةً لَهُمْ، وَلَكِنْ صَارَ بَعْضُ الْأُمَمِ الَّتِي لَا تَدِينُ بِالْقُرْآنِ أَقْرَبَ إِلَى أَحْكَامِهِ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ يَدَّعُونَ اتِّبَاعَهُ،

وَإِنَّمَا الْغَلَبَةُ وَالْعِزَّةُ لِمَنْ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى هِدَايَةِ الْقُرْآنِ بِالْفِعْلِ، عَلَى مَنْ يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْهَا وَإِنِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ بِالْقَوْلِ.

وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ تَذْكِيرُ صِفَةِ اللَّفْظِ الْمُؤَنَّثِ فِي قَوْلِهِ: الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا لِتَذْكِيرِ مَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ فَإِنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ إِذَا أُجْرِيَ عَلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ كَانَ كَالْفِعْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ عَلَى حَسَبِ مَا عَمِلَ فِيهِ، فَالظَّالِمُ أَهْلُهَا هَاهُنَا كَقَوْلِكَ: الَّتِي يَظْلِمُ أَهْلُهَا.

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>