وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: احْتَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ وَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ افْتَخَرُوا فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ وَنَحْنُ أَوْلَى بِاللهِ مِنْكُمْ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ أَوْلَى بِاللهِ مِنْكُمْ وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَكِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا الْآيَةَ، فَأَفْلَجَ اللهُ حُجَّةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ.
وَعَنِ السُّدِّيِّ: الْتَقَى نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَقَالَتِ الْيَهُودُ لِلْمُسْلِمِينَ: نَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، دِينُنَا قَبْلَ دِينِكُمْ وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ وَنَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كِتَابُنَا بَعْدَ كِتَابِكُمْ وَنَبِيُّنَا بَعْدَ نَبِيِّكُمْ وَدِينُنَا بَعْدَ دِينِكُمْ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ أَنْ تَتْبَعُونَا وَتَتْرُكُوا أَمْرَكُمْ، فَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ نَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى دِينِنَا، فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ فَقَالَ: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ إِلَخْ.
وَعَنِ الضَّحَّاكِ وَأَبِي صَالِحٍ نَحْوُ ذَلِكَ، بَلْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَذَكَرُوا أَنَّ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: يُقَالُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَتَكَلَّمَ كُلٌّ فِي تَفْضِيلِ دِينِهِ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ الْآيَةَ، وَالْمَعْنَى بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: لَيْسَ شَرَفُ الدِّينِ وَفَضْلُهُ وَلَا نَجَاةُ أَهْلِهِ بِهِ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ مِنْهُمْ: إِنَّ دِينِي أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ، وَأَحَقُّ وَأَثْبَتُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُوقِنًا بِهِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَهْدِيهِ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعَمَلِ لَا عَلَى التَّمَنِّي وَالْغُرُورِ، فَلَا أَمْرُ نَجَاتِكُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ مَنُوطًا بِأَمَانِيِّكُمْ فِي دِينِكُمْ، وَلَا أَمْرُ
نَجَاةِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنُوطًا بِأَمَانِيِّهِمْ فِي دِينِهِمْ.
فَإِنَّ الْأَدْيَانَ مَا شُرِعَتْ لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّبَاهِي، وَلَا تَحْصُلُ فَائِدَتُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْتِمَاءِ إِلَيْهَا وَالتَّمَدُّحِ بِهَا بِلَوْكِ الْأَلْسِنَةِ وَالتَّشَدُّقِ فِي الْكَلَامِ، بَلْ شُرِعَتْ لِلْعَمَلِ، قَالَ: وَالْآيَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِمَا قَبْلَهَا سَوَاءٌ صَحَّ مَا رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَمْ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ فِي الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَمَانِيُّ الَّتِي كَانَ يَتَمَنَّاهَا أَهْلُ الْكِتَابِ غُرُورًا بِدِينِهِمْ، إِذْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ شَعْبُ اللهِ الْخَاصُّ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّهُ لَنْ تَمَسَّهُمُ النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، وَأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُونَ وَيَدَّعُونَ ; وَإِنَّمَا سَرَى هَذَا الْغُرُورُ إِلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ مِنِ اتِّكَالِهِمْ عَلَى الشَّفَاعَاتِ، وَزَعْمِهِمْ أَنَّ فَضْلَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْبِشْرِ بِمَنْ بُعِثَ فِيهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِذَاتِهِمْ، فَهُمْ بِكَرَامَتِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute