الثَّانِي لِذَلِكَ. وَلَا يَرَوْنَ مُجَرَّدَ الْمَالِكِيَّةِ وَإِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ حُجَّةً. وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ وَالْتِزَامُ أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ مُعَانِدٍ بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَظُهُورِ أَمْرِ الْحَقِّ كَنَارٍ عَلَى عَلَمٍ - وَإِنَّهُ لَيْسَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا الْيَوْمَ كَافِرٌ مُسْتَدِلٌّ - مِمَّا لَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إِلَّا مُسْلِمٌ مُعَانِدٌ، أَوْ مُسْتَدِلٌّ بِمَا هُوَ أَوْهَى مِنْ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ. وَإِنَّهُ لَأَوْهَنُ الْبُيُوتِ. وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَانِدُ وَمِنَ الْمَعْطُوفِ الْمُخْطِئُ، وَالظَّاهِرُ مَا قُلْنَا اهـ.
هَذَا وَإِنَّ الْمَعْذُورَ فِي الْخَطَأِ لَا يَكُونُ عِنْدَ اللهِ كَالْمُصِيبِ، وَإِنَّ الَّذِي يَتَحَرَّى الْحَقَّ الْمَرْضِيَّ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى الْمُنَجِّيَ فِي الْآخِرَةِ، لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ بِإِخْلَاصِهِ فِي النَّظَرِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الطَّلَبِ كَثِيرًا مِنَ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ، وَمَعْرِفَتُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ هَذَا شَأْنَهُ كَانَ أَجْدَرَ النَّاسِ بِقَبُولِ دَعْوَةِ الرُّسُلِ إِذْ بَلَغَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا وَأَهْلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ فِي نَظَرِهِ عَلَى هَوًى. وَيَتَفَاوَتُ هَؤُلَاءِ الْمُجْتَهِدُونَ الْمُخْطِئُونَ بِتَفَاوُتِ حُظُوظِهِمْ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ، وَمَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَاجْتِنَابِ ضِدِّهِ، إِذْ بِذَلِكَ تَتَزَكَّى الْأَنْفُسُ، وَالْمَدَارُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى تَزْكِيَتِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ التَّفْسِيرِ بِمَا هُوَ أَوْسَعُ مِمَّا هُنَا. وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
(يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَمُخْرِجُو التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَطُفْنَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً إِلَّا أَنْ تَجْعَلَ الْمَرْأَةُ عَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةً وَتَقُولُ:
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ ... كُلُّهُ وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أَحِلُّهُ
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً يَقُولُونَ: لَا نَطُوفُ فِي ثِيَابٍ أَذْنَبْنَا فِيهَا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَأَلْقَتْ ثِيَابَهَا فَطَافَتْ وَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى قُبُلِهَا وَقَالَتْ: (الْبَيْتَ) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute