للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. فَلْيُرَاجَعْ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنَ التَّفْسِيرِ (ص١٩٦ وَمَا بَعْدَهَا ط الْهَيْئَةِ) وَمِنْهُ يُعْلَمُ ضَعْفُ اسْتِدْلَالِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ بِالْآيَةِ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ.

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا) اخْتُلِفَ فِي وَجْهِ التَّشْبِيهِ هُنَا، فَاسْتَنْبَطَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا السُّورَةُ وَهِيَ بَيَانُ حَالِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي كُفْرِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِغْرَاءِ أَكَابِرِهِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَتَقْدِيرُهُ: وَكَمَا جَعَلْنَا فِي مَكَّةَ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْأُمَمِ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا، فَلَيْسَ هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرُ بِبِدْعٍ مِنَ الْأَكَابِرِ الْمُجْرِمِينَ، بَلْ ذَلِكَ شَأْنُ الْأَكَابِرِ الْمُتْرَفِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ، وَاسْتَنْبَطَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ عِبَارَةِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ فَجَعَلَ الْقَرِينَةَ لَهُ لَفْظِيَّةً فَقَالَ فِي التَّقْدِيرِ: وَكَمَا زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ كَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ إِلَخْ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَرِينَتَيْنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ هَكَذَا: وَكَمَا أَنَّ أَعْمَالَ أَهْلِ مَكَّةَ مُزَيَّنَةٌ لَهُمْ جَعَلَنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا فَزُيِّنَ لَهُمْ بِحَسَبِ سُنَّتِنَا فِي الْبَشَرِ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ فِي عَدَاوَةِ الرُّسُلِ وَمُقَاوَمَةِ الْإِصْلَاحِ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى وَاسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ.

وَلَفْظُ أَكَابِرَ جَمْعُ أَكْبَرَ، وَفَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ بِالْعُظَمَاءِ أَيِ الرُّؤَسَاءِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ جَمْعُ كَبِيرٍ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَلَوْ قِيلَ هُوَ جَمْعُ كَبِيرٍ فَجُمِعَ أَكَابِرَ لَكَانَ صَوَابًا. وَاسْتَدَلَّ بِمَا سُمِعَ عَنِ الْعَرَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ " الْأَكَابِرَةُ وَالْأَصَاغِرَةُ وَالْأَكَابِرُ وَالْأَصَاغِرُ بِغَيْرِ الْهَاءِ "، قَالَ:

وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِمَا جَاءَ مِنَ النُّعُوتِ عَلَى أَفْعَلَ إِذَا أَخْرَجُوهَا إِلَى الْأَسْمَاءِ مِثْلُ جَمْعِهِمُ الْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ: الْأَحَامِرَ وَالْأَحَامِرَةَ وَالْأَسَاوِدَ وَالْأَسَاوِدَةَ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِنَّ الْأَحَامِرَةَ الثَّلَاثَةَ أَهْلَكَتْ ... مَالِي وَكُنْتُ بِهِنَّ قِدَمًا مُولَعًا

وَذَكَرَ الْبَيْتَ الثَّانِي الَّذِي بَيَّنَ الشَّاعِرُ فِيهِ الْأَحَامِرَةَ وَهِيَ اللَّحْمُ وَالْخَمْرُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنَ الطِّيبِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَتِهِ وَهُوَ لِلْأَعْشَى.

وَالْمُجْرِمُونَ: أَصْحَابُ الْجُرْمِ أَوْ فَاعِلُو الْإِجْرَامِ وَهُوَ مَا فِيهِ الْفَسَادُ وَالضَّرَرُ مِنَ الْأَعْمَالِ. وَالْقَرْيَةُ: الْبَلَدُ الْجَامِعُ لِلنَّاسِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي التَّنْزِيلِ بِمَعْنَى الْعَاصِمَةِ فِي عُرْفِ هَذَا الْعَصْرِ، أَيِ الْمَدِينَةِ الْجَامِعَةِ الَّتِي يُقِيمُ فِيهَا زُعَمَاءُ الشَّعْبِ وَأُولُو أَمْرِهِ، وَكَذَا بِمَعْنَى الشَّعْبِ أَوِ الْأُمَّةِ، وَيُعَبِّرُ عَنْهَا أَهْلُ هَذَا الْعَصْرِ بِالْبَلَدِ فَيَقُولُونَ: ثَرْوَةُ الْبَلَدِ وَمَصْلَحَةُ الْبَلَدِ - أَيِ الْأُمَّةِ - وَالْمُعَاهَدَاتُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ تَقْتَضِي كَذَا - أَيْ بَيْنَ الْأُمَّتَيْنِ أَوِ الدَّوْلَتَيْنِ. وَ " جَعَلْنَا " مُتَعَدِّيَةٌ لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَلِمَفْعُولَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَاخْتَلَفُوا فِي إِعْرَابِهَا، فَلَخَّصَ الْبَيْضَاوِيُّ أَشْهَرَ الْأَقْوَالِ بِقَوْلِهِ: أَيْ كَمَا جَعَلْنَا فِي مَكَّةَ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>