للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ جَزَاءِ مَنْ يُطِيعُ اللهَ وَرَسُولَهُ هُوَ الْفَضْلُ الْكَامِلُ الَّذِي لَا يَعْلُوهُ فَضْلٌ، فَإِنَّ الصُّعُودَ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الْمَرَاتِبِ فِي الدُّنْيَا وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ مُرَافَقَةِ أَهْلِهَا وَأَهْلِ مَنْ فَوْقَهَا فِي الْآخِرَةِ هُوَ مُنْتَهَى السَّعَادَةِ، فِيهِ يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فَيَفْضُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ مِنَ اللهِ تَفَضَّلٌ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَثَانِيَهُمَا: أَنَّ الْمَعْنَى: ذَلِكَ الْفَضْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ جَزَاءِ الْمُطِيعِينَ هُوَ مِنَ اللهِ - تَعَالَى -.

وَيَرَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِلَفْظِ الْفَضْلِ يُنَافِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَزَاءً وَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً عَلَى الْجَزَاءِ، سَمِّهِ جَزَاءً أَوْ لَا تُسَمِّهِ هُوَ مِنْ فَضْلِ اللهِ - تَعَالَى - عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا وَكَيْفَ لَا تَقَعُ الْكِفَايَةُ بِعِلْمِهِ بِالْأَعْمَالِ وَبِدَرَجَةِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا وَبِمَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ مِنَ الْجَزَاءِ، وَإِرَادَتُهُ تَعَالَى لِلْجَزَاءِ الْوِفَاقِ وَالْجَزَاءِ الْفَضْلِ وَلِزِيَادَةِ الْفَضْلِ، ذَلِكَ كُلُّهُ تَابِعٌ لِعِلْمِهِ الْمُحِيطِ! فَهُوَ يُعْطِي بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَيَشَاءُ بِحَسَبِ عِلْمِهِ، فَالتَّذْكِيرُ بِالْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ فِي آخِرِ السِّيَاقِ يُشْعِرُنَا بِأَنَّ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِنَا وَنِيَّاتِنَا لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ، لِيُحَذِّرَ الْمُنَافِقُونَ الْمُرَاءُونَ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فَيَتُوبُونَ، وَلْيَطْمَئِنَّ الْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ، لَعَلَّهُمْ يَنْشَطُونَ وَيَزْدَادُونَ.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا.

الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا (٤: ٣٦) ، فِي مَوْضُوعٍ خَاصٍّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَزْوَاجِ وَالْيَتَامَى مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَالْإِرْثِ، وَالْآيَاتُ مِنْ قَوْلِهِ: وَاعْبُدُوا اللهَ الْآيَةَ إِلَى هُنَا فِي مُطَالَبَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ الْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْحَابِ وَالْأَرِقَّاءِ وَسَائِرِ النَّاسِ، وَأَحْكَامِ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ وَبَيَانِ مَا فِيهَا مِنْ تَثْبِيتِ النَّفْسِ عَلَى الصِّدْقِ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَضَرَبَ لَهُمْ فِيهَا مَثَلَ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ يَهْتَدُونَ بِهِ وَنَهَاهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ، وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يَعْمَلُونَ بِأَمْرِهِمْ بِرَدِّ الْأَمَانَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>