جَهْرَةً، وَلَكِنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمْ عَقِبَهَا: وَالرَّجْفَةُ: هِيَ الْهِزَّةُ وَالِاضْطِرَابَةُ الشَّدِيدَةُ، وَهِيَ تَصْدُقُ بِاضْطِرَابِ أَبْدَانِهِمْ وَأَفْئِدَتِهِمْ كَأَرْضِهِمْ، فَالْجَامِعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَرْسَلَ عَلَى كُلٍّ مِنْ ثَمُودَ وَمَدْيَنَ صَاعِقَةً ذَاتَ صَوْتٍ شَدِيدٍ ; فَرُجِفُوا أَوْ رُجِفَتْ أَرْضُهُمْ وَزُلْزِلَتْ مِنْ شِدَّتِهَا وَخَرُّوا مَيِّتِينَ، فَكَانَتْ صَاعِقَتُهُمْ أَشَدَّ مِنْ صَاعِقَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ; لِأَنَّ هَذِهِ تَرْبِيَةٌ لِقَوْمِ نَبِيٍّ فِي حَضْرَتِهِ، وَتِلْكَ صَاعِقَةٌ كَانَتْ عَذَابَ خِزْيٍ وَهَوَانٍ لِمُشْرِكِينَ ظَالِمِينَ مُعَانِدِينَ أَنْجَى اللهُ نَبِيَّ كُلٍّ مِنْهُمْ وَمُؤْمِنِيهِمْ قَبْلَهَا، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الصَّيْحَةَ الَّتِي أَخَذَتْ ثَمُودَ وَمَدْيَنَ كَانَتْ صَيْحَةً مِنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَهُوَ مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ الَّتِي لَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنْ نُصُوصِ الْوَحْيِ وَلَا نَصَّ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ مِنَ الرَّجْمِ بِالْغَيْبِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَسْبَابَ الصَّوَاعِقِ مِرَارًا آخِرُهَا فِي تَحْقِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي هَلَاكِ ثَمُودَ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَمِنْ دَقِيقِ نُكَتِ الْبَلَاغَةِ فِي الْآيَاتِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي إِهْلَاكِ مَدْيَنَ هُنَا: - وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا - إِلَخْ. فَعَطَفَ " لَمَّا " عَلَى مَا قَبْلَهَا بِالْوَاوِ، وَمِثْلُهُ فِي قَوْمِ هُودٍ، وَلَكِنَّهُ عَطَفَهَا بِالْفَاءِ فِي قِصَّةِ ثَمُودَ (٦٦) وَقِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ. وَوَجْهُ هَذَا الْأَخِيرِ أَنَّ الْآيَتَيْنِ جَاءَتَا عَقِبَ الْإِنْذَارِ بِالْعَذَابِ وَاسْتِحْقَاقِهِ وَحُلُولِ مَوْعِدِهِ فَعُطِفَتَا بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ. وَأَمَّا عَطْفُ مِثْلِهِمَا فِي قَوْمِ هُودٍ وَقَوْمِ شُعَيْبٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَعُطِفَ بِالْوَاوِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْعَطْفِ الْمُطْلَقِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَ الْآيَةِ وَعِيدٌ بِالْعَذَابِ،
وَأَمَّا الثَّانِي فَفِيهِ وَعِيدٌ مُسَوَّفٌ فِيهِ مَقْرُونٌ بِالِارْتِقَابِ لَا الِاقْتِرَابُ، فَلَا يُنَاسِبُ الْعَطْفَ عَلَيْهِ الْفَاءُ الَّتِي تُفِيدُ التَّعْقِيبَ بِدُونِ انْفِصَالٍ، فَهَلْ تُصَادِفُ مِثْلَ هَذِهِ الدَّقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ؟ .
(خَتْمُ قِصَصِ الرُّسُلِ بِآيَاتٍ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ) :
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute