للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي الْأَسَاسِ " وَإِنَّهُ لَفِي غُمَّةٍ مِنْ أَمْرِهِ، إِذَا لَمْ يَهْتَدِ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ " لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ أَيْ لِأَجْلِ أَلَّا تَحْزَنُوا بَعْدَ هَذَا التَّأْدِيبِ وَالتَّمْرِينِ عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ غَنِيمَةٍ وَمَنْفَعَةٍ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مِنْ قَرْحٍ وَمُصِيبَةٍ فَإِنَّ التَّرْبِيَةَ إِنَّمَا تَكُونُ

بِالْعَمَلِ وَالتَّمَرُّنِ الَّذِي بِهِ يَكْمُلُ الْإِيمَانُ وَتَرْسَخُ الْأَخْلَاقُ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي فَأَثَابَكُمْ لِلرَّسُولِ أَيْ فَآسَاكُمْ فِي الِاغْتِمَامِ وَكَمَا غَمَّكُمْ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ كَسْرِ الرُّبَاعِيَّةِ وَالشَّجَّةِ وَغَيْرِهِمَا غَمَّهُ مَا نَزَلَ بِكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا اغْتَمَّهُ لِأَجْلِكُمْ بِسَبَبِ غَمٍّ اغْتَمَمْتُمُوهُ لِأَجْلِهِ وَلَمْ يُثَرِّبْكُمْ عَلَى عِصْيَانِكُمْ وَمُخَالَفَتِكُمْ لِأَمْرِهِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُسَلِّيَكُمْ وَيُنَفِّسَ عَنْكُمْ لِئَلَّا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ نَصْرِ اللهِ وَلَا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ مِنْ غَلَبَةِ الْعَدُوِّ. اهـ.

وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دَقَائِقِهِ وَأَسْبَابِهِ وَلَا مِنْ نِيَّتِكُمْ فِيهِ وَعَاقِبَتِهِ فِيكُمْ، وَمِنْ بَلَاغَةِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ يَتَذَكَّرُ عِنْدَ سَمَاعِهَا أَوْ تِلَاوَتِهَا أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - مُطَّلِعٌ عَلَى عَمَلِهِ، عَالِمٌ بِنَبِيِّهِ وَخَوَاطِرِهِ فَيُحَاسِبُ نَفْسَهُ، فَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ وَإِنْ كَانَ مُشَمِّرًا ازْدَادَ نَشَاطًا خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي التَّقْصِيرِ وَأَنْ يَرَاهُ اللهُ حَيْثُ لَا يَرْضَى. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: يَقُولُ فَلَا تَعْتَذِرُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَلَا تُخَادِعُوهَا، فَإِنَّ الْخَبِيرَ بِأَعْمَالِكُمُ الْمُحِيطَ بِنُفُوسِكُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِكُمْ خَافِيَةٌ، وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَى عِلْمِهِ وَخَبَرِهِ لَا عَلَى أَعْذَارِكُمْ وَتَأْوِيلِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ.

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ الْأَمَنَةُ: الْأَمْنُ وَهُوَ ضِدُّ الْخَوْفِ، وَالنُّعَاسُ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ فُتُورٌ يَتَقَدَّمُ النَّوْمَ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْعَيْنَيْنِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " تَغْشَى " بِالْفَوْقِيَّةِ أَيِ الْأَمَنَةُ وَالْبَاقُونَ " يَغْشَى " بِالتَّحْتِيَّةِ أَيِ النُّعَاسُ. يُقَالُ غَشِيَهُ النُّعَاسُ أَوِ النَّوْمُ كَمَا يُقَالُ رَانَ عَلَيْهِ أَيْ عَرَضَ لَهُ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَغَطَّاهُ، كَمَا يُلْقَى السِّتْرُ عَلَى الشَّيْءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُلَخَّصِ الْقِصَّةِ ذِكْرُ هَذَا النُّعَاسِ، وَأَنَّهُ كَانَ أَثْنَاءَ الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَانِعًا مِنَ الْخَوْفِ فَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الذُّهُولِ وَالْغَفْلَةِ عَنِ الْخَطَرِ، وَلَكِنْ رُوِيَ أَنَّ السُّيُوفَ كَانَتْ تَسْقُطُ مِنْ أَيْدِيهِمْ. وَاخْتَارَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْقِتَالِ. قَالَ مَا مِثَالُهُ: اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي وَقْتِ هَذَا النُّعَاسِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْعَةِ وَأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَنَامُ تَحْتَ تُرْسِهِ كَأَنَّهُ آمِنٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَفَزَعٍ إِلَّا الْمُنَافِقِينَ فَإِنَّهُمْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ فَاشْتَدَّ جَزَعُهُمْ. وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى آيَةِ الْأَنْفَالِ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [٨: ١١] وَإِنَّمَا هَذِهِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ السُّنَّةُ

فِي الْخَلْقِ بِأَنَّ مَنْ يَتَوَقَّعُ فِي صَبِيحَةِ لَيْلَتِهِ هَوْلًا كَبِيرًا وَمُصَابًا عَظِيمًا فَإِنَّهُ يَتَجَافَى جَنْبُهُ عَنْ مَضْجَعِهِ، وَيَبِيتُ بِلَيْلَةِ الْمَلْسُوعِ فَيُصْبِحُ خَامِلًا ضَعِيفًا، وَقَدْ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ بَدْرٍ يَتَوَقَّعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، إِذْ بَلَغَهُمْ أَنَّ جَيْشًا يَزِيدُ عَلَى عَدَدِهِمْ ثَلَاثَةَ أَضْعَافٍ سَيُحَارِبُهُمْ غَدًا وَهُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَعْظَمُ عُدَّةً فَكَانَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَادَةِ أَنْ يَنَامُوا عَلَى بِسَاطِ الْأَرَقِ وَالسُّهَادِ يَضْرِبُونَ أَخْمَاسًا لِأَسْدَاسٍ، وَيُفَكِّرُونَ بِمَا سَيُلَاقُونَ فِي غَدِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>