للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَيْهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَلَا نَيْأَسُ عِنْدَ شِدَّةٍ، وَلَا نَبْطُرُ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَقَدْ قَالَ لَنَا فِي وَعْدِهِ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٨: ٣٩ و٤٠) وَقَالَ فِي بَيَانِ سُنَّتِهِ فِي خَلْقِهِ: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (٤٧: ١٠ و١١) وَقَالَ فِي سُنَّتِهِ فِي الْعَوَاقِبِ: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٧: ١٢٨) .

وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أَمْرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَبْلَهُ، أَيْ: وَإِذَا كَانَ اللهُ هُوَ مَوْلَاهُمْ فَحَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ، مَعَ الْقِيَامِ بِمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ فِي شَرْعِهِ، وَالِاهْتِدَاءِ بِسُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ، وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي فَصَّلَهَا فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَغَيْرِهَا، كَإِعْدَادِ مَا تَسْتَطِيعُ الْأُمَّةُ مِنْ قُوَّةٍ، وَاتِّقَاءِ التَّنَازُعِ الَّذِي يُوَلِّدُ الْفَشَلَ، وَيُفَرِّقُ الْكَلِمَةَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكِلُوا إِلَيْهِ تَوْفِيقَهُمْ لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ النَّجَاحُ، وَتَسْهِيلُ أَسْبَابِهِ الَّتِي لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا كَسْبُهُمْ، وَمَا أَجْهَلُ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ التَّوَكُّلَ وَكِتَابَةَ الْمَقَادِيرِ، يَقْتَضِيَانِ تَرْكَ الْعَمَلِ وَالتَّدْبِيرِ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي الْأَمْرَيْنِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَيُقَابِلُ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ تَعَالَى بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَمَا أَيَّدَهُ بِهِ مِنْ كِتَابِ اللهِ، اتِّكَالَ الْمَادِّيِّينَ عَلَى حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَحْدَهَا، حَتَّى إِذَا مَا أَدْرَكَهُمُ الْعَجْزُ وَخَانَتْهُمُ الْقُوَّةُ أَمَامَ قُوَّةٍ تَفَوقُهَا، خَانَهُمُ الصَّبْرُ وَأَدْرَكَهُمُ الْيَأْسُ؛ إِذْ لَيْسَ لَهُمْ مَا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى ذِي الْقُوَّةِ الَّتِي لَا تَعْلُوهَا قُوَّةٌ - وَشَرٌّ مِنْهُ اتِّكَالُ الْخَرَّافِيِّينَ عَلَى الْأَوْهَامِ، وَتَعَلُّقُ آمَالِهِمْ بِالْأَمَانِي وَالْأَحْلَامِ، حَتَّى إِذَا مَا انْكَشَفَتْ أَوْهَامُهُمْ، وَكَذَبَتْ أَحْلَامُهُمْ، وَخَابَتْ آمَالُهُمْ، نَكَّسُوا رُؤُوسَهُمْ، وَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَاسْتَكَانُوا لِأَعْدَائِهِمْ، وَكَفَرُوا بِوَعْدِ رَبِّهِمْ

بِنَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَعْدُ اللهِ أَصْدُقُ مِنْ دَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ، وَإِنَّمَا وَعَدَ بِالنَّصْرِ أَوْلِيَاءَهُ لَا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ.

قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ التَّرَبُّصُ: التَّمَهُّلُ فِي انْتِظَارِ مَا يُرْجَى أَوْ يُتَمَنَّى وُقُوعُهُ. وَمَضْمُونُ هَذَا بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ أَوْ بَيَانٌ لَهُ، وَالْحُسْنَيَانِ مُثَنَّى الْحُسْنَى، وَهِيَ اسْمُ التَّفْضِيلِ لِلْمُؤَنَّثِ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ وَالتَّحْقِيقِ. وَالْجُمْلَةُ تُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ: قُلْ لَهُمْ أَيْضًا: هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ إِلَّا إِحْدَى الْعَاقِبَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُسْنَى الْعَوَاقِبِ وَفُضْلَاهَا، وَهُمَا النُّصْرَةُ وَالشَّهَادَةُ، النُّصْرَةُ الْمَضْمُونَةُ لِلْجَمَاعَةِ، وَالشَّهَادَةُ الْمَكْتُوبَةُ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ؟ أَيْ: لَا شَيْءَ يُنْتَظَرُ لَنَا غَيْرُ هَاتَيْنِ الْعَاقِبَتَيْنِ مِمَّا كَتَبَ لَنَا رَبُّنَا، وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>