للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَسْتَغِيثُونَهُ وَيَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَى الْفَرَنْسِيسِ؟ هَلْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هُدَى هَذَا الدِّينِ عِنْدَمَا كَانُوا يَسْتَنْصِرُونَ بِقِرَاءَةِ الْبُخَارِيِّ أَوْ يَسْتَغِيثُونَ بِالْأَوْلِيَاءِ فِي بِلَادٍ كَثِيرَةٍ؟ أَيَزْعُمُونَ أَنَّ تِلْكَ النَّزَغَاتِ الْوَثَنِيَّةَ تُعَدُّ مِنَ الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ؟ أَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَا رَوَاهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ فِي سَبَبِهَا وَهُوَ دُعَاءُ النَّبِيِّ عَلَى رُؤَسَاءِ الْمُشْرِكِينَ حِينَ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا؟ أَلَمْ يَتَعَلَّمُوا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِعْدَادَ بِالْفِعْلِ مُقَدَّمٌ

عَلَى الدُّعَاءِ بِالْقَوْلِ؟ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّ سَلَفَهُمْ كَانُوا يُنْصَرُونَ أَيَّامَ لَمْ يَكُونُوا دَائِمًا يَقُولُونَ: " اللهُمَّ نَكِّسْ أَعْلَامَهُمْ، اللهُمَّ زَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، اللهُمَّ يَتِّمْ أَطْفَالَهُمْ، اللهُمَّ اجْعَلْهُمْ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ " وَأَنَّهُمْ بَعْدَ اللهَجِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ غَيْرُ مَنْصُورِينَ فِي جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ؟ فَالْعَمَلَ الْعَمَلَ، الِاسْتِعْدَادَ الِاسْتِعْدَادَ، الْأُهْبَةَ الْأُهْبَةَ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [٨: ٦٠] وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْمَالِ، وَلَا مَالَ إِلَّا بِالْعَدْلِ، وَلَا عَدْلَ مَعَ حُكْمِ الِاسْتِبْدَادِ، ثُمَّ بَعْدَ كَمَالِ الِاسْتِعْدَادِ يَكُونُ الذِّكْرُ وَالِاسْتِمْدَادُ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا [٨: ٤٥، ٤٦] هَذَا هُدَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ تَمَثَّلَ لَهُمْ صِدْقُهُ فِي النَّبِيِّ وَصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ، أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ [٢٣: ٦٨] ؟

ثُمَّ أَكَّدَ - تَعَالَى - هَذِهِ الْحَقِيقَةَ وَأَيَّدَهَا بِقَوْلِهِ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَمَنْ كَانَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَانَ حَقِيقًا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِمَا شَرِكَةٌ مَعَهُ وَلَا رَأْيٌ وَلَا وَسَاطَةُ تَأْثِيرٍ فِي تَدْبِيرِهِمَا وَإِنْ كَانَ مَلَكًا مُقَرَّبًا أَوْ نَبِيًّا مُرْسَلًا إِلَّا مَنْ سَخَّرَهُ - تَعَالَى - لِلْقِيَامِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ خَاضِعًا لِذَلِكَ التَّسْخِيرِ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ فِيهِ عَنِ السُّنَنِ الْعَامَّةِ الَّتِي قَامَ بِهَا نِظَامُ الْكَوْنِ وَنِظَامُ الِاجْتِمَاعِ، وَفِي ذَلِكَ تَأْدِيبٌ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - لِرَسُولِهِ وَإِعْلَامٌ بِأَنَّ ذَلِكَ اللَّعْنَ وَالدُّعَاءَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ ; وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: " يَعْنِي بِذَلِكَ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - لَيْسَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وَلِلَّهِ جَمِيعُ مَا بَيْنَ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا، دُونَكَ وَدُونَهُمْ يَحْكُمُ فِيهِمْ بِمَا شَاءَ، وَيَقْضِي فِيهِمْ مَا أَحَبَّ، فَيَتُوبُ عَلَى مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ الْعَاصِينَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ثُمَّ يَغْفِرُ لَهُ، وَيُعَاقِبُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى جُرْمِهِ فَيَنْتَقِمُ مِنْهُ غَفُورٌ الْغَفُورُ: الَّذِي يَسْتُرُ ذُنُوبَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ مِنْ خَلْقِهِ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَرَحِيمٌ بِهَمْ فِي تَرْكِهِ عُقُوبَتَهُمْ - عَاجِلًا - عَلَى عَظِيمِ مَا يَأْتُونَ مِنَ الْمَآثِمِ اهـ. وَلَا تَنْسَ أَنَّ مَشِيئَتَهُ الْمَغْفِرَةَ أَوِ التَّعْذِيبَ جَارِيَةٌ عَلَى سُنَنٍ حَكِيمَةٍ مُطَّرِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ - رَاجِعْ ص ٢٢٣ مِنَ الْجُزْءِ الثَّالِثِ [طَبْعَةِ الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ] .

<<  <  ج: ص:  >  >>