للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأُصِيبَ مِنَّا سَبْعُونَ قَتِيلًا. قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ خِلَافَ الرُّوَاةِ فِي عَدَدِ هَؤُلَاءِ الْقَتْلَى [ص٢٧١ ج ٨] وَمِنْهُ أَنَّ الْفَتْحَ الْيَعْمُرِيَّ سَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ فَبَلَغُوا: ٩٦ - مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَحَدَ عَشَرَ وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ،

وَذَكَرَ أَنَّهُمْ بَلَغُوا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِائَةً. ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: قَالَ الْيَعْمُرِيُّ: وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا (٣: ١٦٥) أَنَّهَا نَزَلَتْ تَسْلِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَمَّا أُصِيبَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَإِنَّهُمْ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ قَتِيلًا وَسَبْعِينَ أَسِيرًا فِي عَدَدِ مَنْ قُتِلَ. قَالَ الْيَعْمُرِيُّ: إِنْ ثَبَتَتْ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ لِلْأَنْصَارِ خَاصَّةً، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَنَسٍ: أُصِيبَ مِنَّا يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ. وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ بِمَعْنَاهُ. انْتَهَى هَذَا الْحَدِيثُ، وَأَقُولُ: إِنَّ مَا ذَكَرَهُ لِتَصْحِيحِ رِوَايَةِ كَوْنِ السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ جَعْلِ الْخِطَابِ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا (٣: ١٦٥) الْآيَةَ. خِلَافَ الْمُتَبَادِرِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ جَعْلُ الْخُطَّابِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ نَفْسُهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي أَبْوَابِ غَزْوَةِ بَدْرٍ (٢٣٩ ج ٧) وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ أَهْلُ أُحُدٍ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِـ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا يَوْمُ بَدْرٍ وَعَلَى أَنَّ عِدَّةَ مَنِ اسْتَشْهَدَ بِأُحُدٍ سَبْعُونَ نَفْسًا إِلَخْ.

أَقُولُ: وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَدِيثَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ بِأَنَّهُ " مُخَالِفٌ لِمَضْمُونِ الْآيَةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَهَا: لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ قَالُوا: لَوْ خَيَّرَهُمْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لَمَا آخَذَهُمْ عَلَى اخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا. وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَمْتَحِنَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ، لِيَظْهَرَ بِالْعَمَلِ مَنْ أَحْسَنَ وَمَنْ أَسَاءَ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْجَزَاءِ. قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٢٩: ١ - ٣) وَقَالَ تَعَالَى فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَى غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (٣: ١٤٢) وَقَالَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ

الْكَهْفِ: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (١٨: ٧) وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّ الَّذِي يَعْنِينَا مِنْ هَذَا الْبَحْثِ وَتَحْقِيقِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ هُوَ تَحْقِيقُ الْمَوْضُوعِ، وَمِنْهُ كَوْنُ الَّذِينَ رَجَّحُوا مُفَادَاةَ الْأَسْرَى كَثِيرُونَ - وَبَحْثُ اجْتِهَادِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَشُمُولُ الْعِتَابِ فِي الْآيَتَيْنِ لَهُ، وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنْ يَجْعَلَ إِنْكَارَ الْقُرْآنِ خَاصًّا بِالْمُؤْمِنِينَ دُونَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ أَخْذَ الْفِدَاءِ هُوَ أَرْجَحُ الرَّأْيَيْنِ، وَأَفْضَلُ الْخُطَّتَيْنِ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ بِمَا يَأْتِي مِنْ بَرَاعَتِهِ، وَسِعَةِ مَجَالِ أَدِلَّتِهِ، كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا مَعَ تَحْقِيقِ الْحَقِّ فِيهِ بِفَضْلِ اللهِ وَمَشِيئَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>