لِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَرْجِعْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَمَضَى الْقَوْمُ مَعَهُ حَتَّى كَانُوا بِنَجْرَانَ أَضَلَّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍّ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا كَانَا يَتَعَقَّبَانِهِ فَتَخَلَّفَا عَلَيْهِ يَطْلُبَانِهِ، وَمَضَى الْقَوْمُ حَتَّى نَزَلُوا نَخْلَةَ، فَمَرَّ بِهِمْ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأُخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ - وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ - فَلَمَّا رَأَوْهُ حَلِيقًا قَالُوا: عُمَّارٌ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ بَأْسٌ، وَأْتَمَرَ بِهِمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى، فَقَالُوا: لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَتَقْتُلُونَهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَلَئِنْ تَرَكْتُمُوهُمْ لَيَدْخُلُنَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْحَرَمَ فَلَيَمْتَنِعُنَّ مِنْكُمْ، فَأَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى قَتْلِهِمْ، فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّهْمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ، وَأَفْلَتَ نَوْفَلُ وَأَعْجَزَهُمْ، وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ فَقَدِمُوا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمْ: ((وَاللهِ مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ)) فَأَوْقَفَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَسِيرَيْنِ وَالْعِيرَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ: سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ (أَيْ نَدِمُوا) وَظَنُّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا، وَعَنَّفَهُمْ إِخْوَانُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ بَلَغَهُمْ أَمْرُ هَؤُلَاءِ: قَدْ سَفَكَ مُحَمَّدٌ الدَّمَ الْحَرَامَ، وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَسَرَ الرِّجَالَ، وَاسْتَحَلَّ
الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ) الْآيَةَ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِيرَ وَفَدَى الْأَسِيرَيْنِ. وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ: ((أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ تِلْكَ الْفِعْلَةُ رَكِبَ وَفْدٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: أَيَحِلُّ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ)) ؟ فَنَزَلَتْ. هَكَذَا أَوْرَدَ الْقِصَّةَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَوْلُهُ فِي صَدْرِهَا: ((فِي رَجَبٍ إِلَخْ)) يَخْتَلِفُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ: ((وَكَانَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى)) وَذَكَرُوا أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا.
وَأَخْرَجَهَا السُّيُوطِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ عَمَّنْ ذَكَرَ مَا عَدَا ابْنَ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مُخْتَصَرَةً، وَقَالَ: إِنَّهُمْ قَتَلُوا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَلَمْ يَدْرُوا أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَجَبٍ أَوْ مِنْ جُمَادَى، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَصَابُوا وِزْرًا فَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا) الْآيَةَ، وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ كَلَامَهُ يُفِيدُ أَنَّ الْآيَاتِ نَزَلَتْ مُتَفَرِّقَةً، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً.
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) إِلَخْ. قَالُوا: إِنَّ هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ فُرِضَ فِيهَا الْقِتَالُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ كَانَ الْقِتَالُ مَمْنُوعًا فَأُذِنَ فِيهِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute