للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ مِنْ جَعْلِ السُّنَّةِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْسَخُ بِهَا، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُرَجَّحُ دَائِمًا عِنْدَ التَّعَارُضِ.

هَذَا مَا فُتِحَ بِهِ عَلَيْنَا عِنْدَ طَبْعِ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْحَكِيمَةِ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَجَلَّى بِهِ مَعْنَاهَا، وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ طَاعَةُ اللهِ بِالْعَمَلِ بِكِتَابِهِ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَطَاعَةُ جَمَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ ـ وَهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَرُؤَسَائِهَا الْمَوْثُوقِ بِهِمْ عِنْدَهَا ـ فِيمَا يَضَعُونَهُ لَهَا بِالشُّورَى مِنَ الْأَحْكَامِ الْمَدَنِيَّةِ، وَالْقَضَائِيَّةِ، وَالسِّيَاسِيَّةِ، وَمِنْهَا الصِّحِّيَّةُ وَالْعَسْكَرِيَّةُ، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ بَيْنَ أُولِي الْأَمْرِ، أَوْ بَيْنَ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ وَجَمَاعَاتِهَا فِي شَيْءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ بِعَرْضِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْعَمَلُ بِمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَنَازِعِينَ أَوْ لِمَنْ يُحَكِّمُونَهُمْ فِي فَصْلِ النِّزَاعِ مِنَ النُّصُوصِ، أَوْ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ الْعَامَّةِ فِيهِمَا أَوِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا عُرِفَتْ عِلَّتُهُ فِيهِمَا، وَلَا نُسَلِّمُ قَوْلَ الرَّازِيِّ وَالنَّيْسَابُورِيِّ: إِنَّ هَذَا الرَّدَّ خَاصٌّ بِمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إِجْمَاعَ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّنَازُعِ وَالْخِلَافِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ التَّنَازُعُ وَالْخِلَافُ فِيمَا فِيهِ نَصٌّ لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُتَنَازِعُونَ، كَمَا اخْتَلَفَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ عَلَى عُمَرَ فِي الدُّخُولِ

عَلَى مَكَانِ الطَّاعُونِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ الَّذِي رَوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَلَوْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَبْلَ تَحْكِيمِ عُمَرَ لِمَشَايِخِ قُرَيْشٍ، وَرَوَى لَهُمُ الْحَدِيثَ لَعَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى التَّحْكِيمِ، فَلْيَتَأَمَّلِ الْمُسْتَقِلُّونَ مَا حَقَّقْنَاهُ، وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

(تَنْبِيهٌ) : تَكَرَّرَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَفْظُ " النَّصِّ " مُعَرَّفًا وَمُضَافًا إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِمَعْنَى عِبَارِتِهِمَا لَا النَّصِّ الْأُصُولِيِّ.

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>