يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنْ صَحَّ مَا وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ فَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ هُوَ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ الَّتِي كَانَ الْكُفْرُ سَبَبَهَا، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ عَلَى هَذَا هُوَ الْأُلْفَةُ وَالْمَحَبَّةُ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةٌ يَانِعَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ، وَإِذَا لَمْ نَنْظُرْ إِلَى مَا وَرَدَ مِنَ السَّبَبِ فَالْمَعْنَى: وَضَعُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا أَطَعْتُمُوهُمْ وَسَلَكْتُمْ مَسَالِكَهُمْ فَإِنَّكُمْ تَكْفُرُونَ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.
أَقُولُ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْكُفْرِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: حَقِيقَتُهُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّكُمْ إِذَا أَصْغَيْتُمْ إِلَى مَا يُلْقِيهِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ مِنْ مُثِيرَاتِ الْفِتَنِ وَاسْتَجَبْتُمْ لِمَا يَدْعُونَكُمْ إِلَيْهِ فَكُنْتُمْ طَائِعِينَ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْنَعُونَ مِنْكُمْ بِالْعَوْدِ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، بَلْ يَتَجَاوَزُونَ إِلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَرُدُّوكُمْ إِلَى الْكُفْرِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [٢: ١٠٩] الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: وَدَّتْ
طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [٣: ٦٩] وَلَا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ إِتْيَانِ مَا يَوَدُّ إِلَّا عَجْزُهُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا جَائِزًا - وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ - فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute