مُخْتَارٌ لَهُ لَا مُبْتَكَرٌ، وَقَدْ ذُهِلَ مَنْ قَالَ مِنْ نَاقِلِيهِ: إِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مُسْتِدِلًّا بِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ إِضَافَتُهُ إِلَى الْيَمِينِ ; فَإِنَّهُ لَا يُلْتَزَمُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوَافِقُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ اسْتِعْمَالٍ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ مَعْهُودًا فِي كَلَامِ النَّاسِ قَبْلَهُ لِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ نَفْيَ الِابْتِكَارِ، وَأَنَّ كُلَّ اسْتِعْمَالٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالْبَدَاهَةِ، فَكَمْ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ أَبْكَارِ الْأَسَالِيبِ الْحِسَانِ، اللَّاتِي لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ، وَمَا مِنْ بَلِيغٍ إِلَّا وَلَهُ مُخْتَرَعَاتٌ فِي الْبَيَانِ، لَمْ يَسْلُكْ فِجَاجَهَا مِنْ قَبْلِهِ إِنْسَانٌ، وَلِمَاذَا يُسْتَبْعَدُ إِسْنَادُ عَقْدِ النِّكَاحِ إِلَى الْأَيْمَانِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْعُقُودِ، كَالْحَلِفِ وَالْبَيْعِ، وَالْمَعْهُودُ فِي جَمِيعِهَا وَضْعُ الْيَمِينِ فِي الْيَمِينِ؟ وَقَدْ قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ: عَقَدَتْ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَالْبَاقُونَ عَاقَدَتْ بِأَلِفِ الْمُفَاعَلَةِ، وَقُرِئَ فِي شَوَاذٍّ: عَقَّدَتْ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ.
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا.
لَمَّا نَهَى اللهُ تَعَالَى كُلًّا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَنْ تَمَنِّي مَا فَضَّلَ بِهِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الِاعْتِمَادِ فِي أَمْرِ الرِّزْقِ عَلَى كَسْبِهِمْ، وَأَمْرَهُمْ أَنْ يُؤْتُوا الْوَارِثَ نَصِيبَهُمْ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ هَذَا الْبَيَانِ ذِكْرُ تَفْضِيلِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْمِيرَاثِ وَالْجِهَادِ كَانَ لِسَائِلٍ هُنَا أَنْ يَسْأَلَ عَنْ سَبَبِ هَذَا الِاخْتِصَاصِ، وَكَانَ جَوَابُ سُؤَالِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، أَيْ: إِنَّ مِنْ شَأْنِهِمُ الْمَعْرُوفِ الْمَعْهُودِ الْقِيَامَ عَلَى النِّسَاءِ بِالْحِمَايَةِ وَالرِّعَايَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْكِفَايَةِ، وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمُ الْجِهَادُ دُونَهُنَّ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْحِمَايَةَ لَهُنَّ، وَأَنْ يَكُونَ حَظُّهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ أَكْثَرَ مِنْ حَظِّهِنَّ ; لِأَنَّ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّفَقَةِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِنَّ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute