للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَاقِلٌ قَطُّ يَقُولُ: إِنَّ الْكَافِرِينَ فِي الْآخِرَةِ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُحْسِنِ عَمَلًا وَالْمُسِيءِ، وَبَيْنَ فَاعِلِ الْخَيْرِ وَمُقْتَرِفِ الْإِثْمِ. وَسَنَعُودُ إِلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ

أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ الْآيَاتِ السَّابِقَةَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ كَانَتْ فِي الْحِجَاجِ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَذَا مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالتَّبَعِ وَالْمُنَاسِبَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُعَامَلَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَإِرْشَادِهِمْ فِي أَمْرِهِمْ، أَيْ إِنَّ أَكْثَرَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ ذَكَرَ لِبَيَانِ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا ثَلَاثَ مُقَدِّمَاتٍ:

(١) أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ صِلَاتٌ كَانَتْ مَدْعَاةً إِلَى الثِّقَةِ بِهِمْ وَالْإِفْضَاءِ إِلَيْهِمْ بِالسِّرِّ وَإِطْلَاعِهِمْ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ، مِنْهَا الْمُحَالَفَةُ وَالْعَهْدُ، وَمِنْهَا النَّسَبُ وَالْمُصَاهَرَةُ، وَمِنْهَا الرَّضَاعَةُ.

(٢) إِنَّ الْغِرَّةَ مِنْ طَبْعِ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَبْنِي أَمْرَهُ عَلَى الْيُسْرِ وَالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ وَلَا يَبْحَثُ عَنِ الْعُيُوبِ ; وَلِذَلِكَ يَظْهَرُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْعُيُوبِ وَإِنْ كَانَ بَلِيدًا مَا لَا يَظْهَرُ لَهُ هُوَ وَإِنْ كَانَ ذَكِيًّا.

(٣) إِنَّ الْمُنَاصِبِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ كَانَ هَمُّهُمُ الْأَكْبَرُ إِطْفَاءَ نُورِ الدَّعْوَةِ وَإِبْطَالَ مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ، وَكَانَ هَمُّ الْمُؤْمِنِينَ الْأَكْبَرِ نَشْرَ الدَّعْوَةِ وَتَأْيِيدَ الْحَقِّ، فَكَانَ الْهَمَّانِ مُتَبَايِنَيْنِ، وَالْقَصْدَانِ مُتَنَاقِضَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا كَانَتْ حَالَةُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>