للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٤٣: ٣٩) .

(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)

هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ جَزَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ، الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنِ الْإِيمَانِ، بِضَرْبٍ آخَرَ مِنَ الْبَيَانِ، قَالَ:

(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ) لِمُفَسِّرِي السَّلَفِ فِي تَفَتُّحِ أَبْوَابِ السَّمَاءِ قَوْلَانِ لَا يَتَنَافَيَانِ. (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مَعْنَاهُ لَا تُقْبَلُ أَعْمَالُهُمْ وَلَا تُرْفَعُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تُرْفَعُ أَعْمَالُ الصَّالِحِينَ. كَمَا قَالَ: (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (٣٥: ١٠) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لَا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ مِنْ عَمَلِهِمْ شَيْءٌ - وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ لِعَمَلٍ وَلَا دُعَاءٍ. وَمِثْلُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. (وَالثَّانِي) أَنَّ أَرْوَاحَهُمْ لَا تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُفْتَحُ لِأَرْوَاحِهِمْ وَتُفْتَحُ لِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِثْلُ هَذَا التَّعْبِيرِ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَرُوِيَ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَخْبَارٌ مَرْفُوعَةٌ فِي قَبُولِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ وَرَدِّ رُوحِ الْكَافِرِ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ قَالَ: لَا لِأَرْوَاحِهِمْ وَلَا لِأَعْمَالِهِمْ.

(وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) قَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ (الْجَمَلُ) بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْبَعِيرُ الْبَازِلُ أَيِ الَّذِي طَلَعَ نَابُهُ، وَالْمَعْنَى: لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَدْخُلَ مَا هُوَ مَثَلٌ فِي عِظَمِ الْجِرْمِ وَهُوَ الْجَمَلُ الْكَبِيرُ فِيمَا هُوَ مَثَلٌ فِي الضِّيقِ وَهُوَ ثُقْبُ الْإِبْرَةِ - وَتُسَمَّى الْخِيَاطَ بِالْكَسْرِ وَالْمِخْيَطِ بِوَزْنِ الْمِنْبَرِ - وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فَالْمُرَادُ تَأْكِيدُ النَّفْيِ أَوْ تَأْيِيدُهُ. وَكَأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَفْطَنُوا لِنُكْتَةِ هَذَا التَّعْلِيقِ لِعَدَمِ التَّنَاسُبِ بَيْنَ الْجَمَلِ وَسَمِّ الْخِيَاطِ فَكَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْهُ فَيُجَابُونَ بِمَا يُؤَكِّدُ الْمُرَادَ. سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَقَالَ: هُوَ زَوْجُ النَّاقَةِ - وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فَقَالَ: ابْنُ النَّاقَةِ الَّذِي يَقُومُ فِي الْمِرْبَدِ عَلَى أَرْبَعِ قَوَائِمَ.

وَالْمِرْبَدُ (كَمِنْبَرٍ) مَحْبَسُ الْإِبِلِ وَكَذَا الْغَنَمِ، وَمَكَانٌ بِالْبَصْرَةِ مَشْهُورٌ كَانَتْ تُحْبَسُ بِهِ أَوْ كَانَ سُوقًا لَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>