قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يُفِيدُ وُجُوبَ تَوْثِيقِ الْإِيمَانِ بِاللهِ فِي الْقَلْبِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْخَوَاطِرَ، وَالْهَوَاجِسَ الَّتِي تُحْدِثُ الْخَوْفَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ لَا يَمْحُوهَا مِنْ لَوْحِ الْقَلْبِ إِلَّا الْإِيمَانُ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ، وَفِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِيمَانَ مَنْ يُرَجِّحُ الْخَوْفَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ عَلَى الْخَوْفِ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - مَشْكُوكٌ فِيهِ.
أَقُولُ: فَلْيَزِنْ كُلُّ مُؤْمِنٍ نَفْسَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَيُقَارِنْ بَيْنَ عَمَلِهِ، وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ وَبَيْنَ إِيمَانِهِ، وَإِيمَانِهِمْ، لِكَيْلَا يَكُونَ مِنَ الْمَغْرُورِينَ.
مَنْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ حَقَّ التَّدَبُّرِ عَلِمَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الصَّادِقَ لَا يَكُونُ جَبَانًا، فَالشَّجَاعَةُ وَصْفٌ ثَابِتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، إِذَا شَارَكَهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُدْرِكُ فِيهِ مَدَاهُمْ، وَلَا يَبْلُغُ شَأْوَهُمْ. وَمَنْ بَحَثَ عَنْ عِلَلِ الْأَشْيَاءِ يَرَى أَنَّ عِلَّةَ الْجُبْنِ هِيَ الْخَوْفُ مِنَ الْمَوْتِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْحَيَاةِ، وَكُلٌّ مِنَ الْخَوْفِ وَالْحِرْصِ مِمَّا يَتَّسِعُ لَهُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ كَقَلْبِ غَيْرِهِ. قَالَ - تَعَالَى - فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَى الْيَهُودِ: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ [٢: ٩٦] وَلَا يَزَالُ الْعَالَمُ كُلُّهُ يَشْهَدُ أَنَّ الْجَيْشَ الْإِسْلَامِيَّ أَشْجَعُ جُيُوشِ الْمِلَلِ كُلِّهَا، هَذَا مَعَ مَا مُنِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَالْجَهْلِ بِالْإِسْلَامِ " هَذَا وَمَا، فَكَيْفَ لَوْ ".
وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute