وَقُوَّتِهِمْ، وَنُصْرَتِي وَنُصْرَتِهِمْ، فَأَنَا الَّذِي وَعَدْتُكُمُ النَّصْرَ، وَأَنَا وَلِيُّكُمْ وَنَصِيرُكُمْ مَا أَطَعْتُمُونِي، وَأَطَعْتُمْ رَسُولِي، وَفِي هَذَا الْمَقَامِ شُبْهَةٌ تَعْرِضُ لِبَعْضِهِمْ، يَقُولُونَ: إِنَّ تَكْلِيفَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُسْتَطَاعُ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوُسْعِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ ذَا الْعُدَدِ الْعَظِيمَةِ يُرِيدُ أَنْ يُوَاثِبَهُ وَيُنْزِلَ بِهِ الْعَذَابَ بِأَنْ رَآهُ، أَوْ سَمِعَ بِاسْتِعْدَادِهِ مِنَ الثِّقَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَلَّا يَخَافَهُ، فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُؤْمَرُوا بِإِكْرَاهِ النَّفْسِ عَلَى الْمُقَاوَمَةِ، وَالْمُدَافَعَةِ مَعَ الْخَوْفِ لَا أَنْ يُنْهَوْا عَنِ الْخَوْفِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ حُجَّةُ الْجُبَنَاءِ فَهِيَ لَا تَطُوفُ إِلَّا فِي خَيَالِ الْجَبَانِ ; فَإِنَّ أَعْمَالَ النَّفْسِ مِنَ الْخَوْفِ، وَالْحُزْنِ، وَالْفَرَحِ يَتَرَاءَى أَنَّهَا اضْطِرَارِيَّةٌ، وَأَنَّ آثَارَهَا كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ مَهْمَا حَدَثَ سَبَبُهَا، وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِيَارِيٌّ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَأْتِي بِالْعَادَةِ وَالْمُزَاوَلَةِ، وَلِذَلِكَ تَخْتَلِفُ الشُّعُوبُ وَالْأَجْيَالُ، فَمَنِ اعْتَادَ الْإِحْجَامَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الدِّفَاعِ يَصِيرُ جَبَانًا، وَالْعَادَاتُ خَاضِعَةٌ لِلِاخْتِيَارِ بِالتَّرْبِيَةِ وَالتَّمْرِينِ، فَفِي اسْتِطَاعَةِ الْإِنْسَانِ أَنْ يُقَاوِمَ أَسْبَابَ الْخَوْفِ، وَيُعَوِّدَ نَفْسَهُ الِاسْتِهَانَةَ بِهَا، (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ إِذَا حَدَثَتْ بِأَسْبَابِهَا فَالْإِنْسَانُ مُخْتَارٌ فِي الْإِسْلَاسِ لَهَا، وَالِاسْتِرْسَالِ مَعَهَا حَتَّى يَتَمَكَّنَ أَثَرُهَا فِي النَّفْسِ، وَتَتَجَسَّمَ صُورَتُهَا فِي الْخَيَالِ، وَمُخْتَارٌ فِي ضِدِّ ذَلِكَ، وَهُوَ مُغَالَبَتُهَا، وَالتَّعَمُّلُ فِي صَرْفِهَا وَشُغْلُ النَّفْسِ بِمَا يُضَادُّهَا، وَيَذْهَبُ بِأَثَرِهَا، أَوْ يَتَبَدَّلُ بِهِ أَثَرًا آخَرَ مُنَاقِضًا لَهُ، فَهَذَا الْأَمْرُ الِاخْتِيَارِيُّ هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا عَرَضَتْ لَكُمْ أَسْبَابُ الْخَوْفِ فَاسْتَحْضِرُوا فِي نُفُوسِكُمْ قُدْرَةَ اللهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَكَوْنَهُ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ، وَتَذَكَّرُوا وَعْدَهُ بِنَصْرِكُمْ، وَإِظْهَارِ دِينِكُمْ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَأَنَّ الْحَقَّ يَدْمَغُ الْبَاطِلَ، فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَهُ: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [٢: ٢٤٩] ثُمَّ خُذُوا أُهْبَتَكُمْ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَدَعُ لِخَوْفِ غَيْرِهِ
مَكَانًا فِي قُلُوبِكُمْ اهـ. بِتَصَرُّفٍ مِنْهُ، إِنَّ مَقُولَةَ: " كَأَنَّهُ يَقُولُ " مِنْ عِنْدِي لِأَنَّنِي لَمْ أَكْتُبْ مَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللهُ - فِيهِ، وَإِنَّمَا تَرَكْتُ لَهُ بَيَاضًا لِأَكْتُبَهُ فِي وَقْتِ الْفَرَاغِ، ثُمَّ نَسِيتُهُ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاخْتِيَارُ فِي التَّرْبِيَةِ التَّدْرِيجِيَّةِ، وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاخْتِيَارُ فَوْرًا فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَقَدْ قُلْتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى شِعْرًا فِي الْحُزْنِ مِنْ مَرْثِيَّةٍ نَظَمْتُهَا فِي أَيَّامِ التَّحْصِيلِ وَهُوَ:
أَطَبِيعَةُ، ذَا الْحُزْنُ لَيْسَ يَشِذُّ عَنْ نَامُوسِهِ فَرْدٌ مِنَ الْأَفْرَادِ أَمْ ذَاكَ مِمَّا أَوْجَبَتْهُ شَرَائِعُ الْأَ (م) دْيَانِ مِنْ هُدًى لَنَا وَرَشَادِ أَمْ ذَلِكَ الْعَقْلُ السَّلِيمُ قَضَى عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ بِهَذِهِ الْأَصْفَادِ كَلَّا، فَلَيْسَ لِأَمْرٍ ضَرْبَةُ لَازِبٍ لَكِنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الْمُعْتَادِ فَاخْلَعْ سَرَابِيلَ الْعَوَائِدِ إِنْ تَكُنْ لَيْسَتْ بِنَهْجِ الْعَقْلِ ذَاتَ سَدَادِ وَتَقَلَّدِ الْحَزْمَ الشَّرِيفَ كَصَارِمٍ كَيْمَا تُنَافِحُ جَيْشَهَا بِجِهَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute