للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وُجْدَانِهِمْ عِنْدَكَ وَلَا عِنْدَهُمْ مَا يُنْفِقُونَ، وَلَا مَا يَرْكَبُونَ فِي خُرُوجِهِمْ مَعَكَ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ.

أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ النَّاسَ أَنْ يَنْبَعِثُوا غَازِينَ، فَجَاءَتْ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ احْمِلْنَا، فَقَالَ: " وَاللهِ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ " فَتَوَلَّوْا وَلَهُمْ بُكَاءٌ، وَعَزَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحْبَسُوا عَنِ الْجِهَادِ، وَلَا يَجِدُونَ نَفَقَةً وَلَا مَحْمَلًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عُذْرَهُمْ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ الْآيَةَ. وَخَرَّجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَسْتَحْمِلُونَهُ فَقَالَ: " لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ " فَأَنْزَلَ اللهُ: وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ الْآيَةَ. وَذَكَرَ الْبُطُونَ الَّتِي يُنْسَبُونَ إِلَيْهَا، وَهُنَالِكَ رِوَايَاتٌ أُخْرَى فِي عَدَدِهِمْ

وَبُطُونِهِمْ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ الْبَكَّائِينَ، وَهُنَالِكَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُمْ مَا سَأَلُوهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَّا الْحُمْلَانَ عَلَى النِّعَالِ، وَرِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ الزَّادَ وَالْمَاءَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ كُلِّ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ الْكَبِيرَةِ، وَلَكِنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ بِطِلَابِ الرَّوَاحِلِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ اللَّفْظِ.

وَالْحِكْمَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِالْإِتْيَانِ لِأَجْلِ الْحَمْلِ، وَالِاعْتِذَارِ عَنْهُ بِعَدَمِ وُجْدَانِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ دُونَ ذِكْرِ جِنْسِهِ مِنْ رَاحِلَةٍ وَدَابَّةٍ، هِيَ إِفَادَةُ الْعُمُومُ فِيمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مُرِيدُ السَّيْرِ فَتَدْخُلُ فِيهِ مَرَاكِبُ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ مَرَاكِبِ النَّقْلِ الْبَرِّيَّةِ وَالْهَوَائِيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ، وَيَتَحَقَّقُ الْعُذْرُ بِفَقْدِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهَا فِي كُلِّ سَفَرٍ بِحَسَبِهِ، وَفَقْدِ الْعُذْرِ بِوُجُودِهِ، فَوُجُودُ الْخَيْلِ وَالْجِمَالِ وَالْبِغَالِ لَا يَنْفِي الْعُذْرَ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُقْطَعُ فِي الْقِطَارَاتِ الْحَدِيدِيَّةِ أَوِ السَّيَّارَاتِ، أَوِ الْمَنَاطِيدِ أَوِ الطَّيَّارَاتِ.

لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ أُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ، بَقِيَ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِمُ السَّبِيلُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَذَكَرَهُمْ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا السَّبِيلُ الْوَاضِحُ السَّوِيُّ أَوْصَلُ إِلَى الْمُؤَاخَذَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ بِالْحَقِّ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَيْ: أَغْنِيَاءُ يَطْلُبُونَ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْقُعُودِ وَالتَّخَلُّفِ عَنِ النَّفْرِ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ فِي حَالِ هَذَا الِاسْتِئْذَانِ وَمِنْ قَبْلِهِ، قَادِرُونَ عَلَى إِعْدَادِ الْعُدَّةِ لَهُ مِنْ زَادٍ وَرَوَاحِلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِمَاذَا؟ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ أَيْ: رَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَالْخَالِفِينَ، مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالْمَعْذُورِينَ بَلْ مَعَ الْفَاسِدِي الْأَخْلَاقِ الْمُفْسِدِينَ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَأَحَاطَ بِهِمْ مَا جَرُّوا عَلَيْهِ مِنْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ، بِحَسَبِ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>