للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَغَيْرِ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَفَّى عَلَى ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى إِنْفَاذِ حُكْمِهِ وَإِنْجَازِ وَعْدِهِ وَكَوْنِ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ لَا يُعْجِزُونَهُ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ الِافْتِدَاءَ مِنْ عَذَابِهِ، فَقَالَ: (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْنَا مِرَارًا: إِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمْعِ الْعَالَمِ، وَهُوَ تَعَالَى مَالِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَلِكُهُمَا، وَلَهُ كُلُّ مَنْ فِيهِمَا مِنَ الْعُقَلَاءِ، وَمَا فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ، وَقَدْ نَطَقَتِ الْآيَاتُ بِهَذَا كُلِّهِ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ، فَهَاهُنَا غَلَّبَ غَيْرَ الْعُقَلَاءِ بِمُنَاسَبَةِ مَا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى غُرُورِ الْكَافِرِينَ وَالظَّالِمِينَ بِمَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ بِهِ، وَتَعَذُّرِ الِافْتِدَاءِ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَسَيَأْتِي تَغْلِيبُ الْعُقَلَاءِ فِي الْآيَةِ ٦٦ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ لِاقْتِضَاءِ الْمُنَاسِبَةِ لَهُ، وَصَدَّرَ الْجُمْلَةَ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ (أَلَا) الَّذِي يُفْتَتَحُ بِهِ الْكَلَامُ لِتَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ عَنْ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانُوا يَعْرِفُونَهَا لِكَثْرَةِ ذُهُولِ النَّاسِ عَنْ تَذَكُّرِ أَمْثَالِهَا، وَالْمَعْنَى: لِيَتَذَكَّرِ النَّاسِي وَلْيَتَنَبَّهِ الْغَافِلُ وَلْيَعْلَمِ الْجَاهِلُ أَنَّ لِلَّهِ وَحْدَهُ مَا فِي الْعَوَالِمِ الْعُلْوِيَّةِ وَعَالَمِ الْأَرْضِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا حَيْثُ يَشَاءُ، فَيُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ، وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْ دُونِهِ شَيْئًا مِنَ التَّصَرُّفِ وَالْفِدَاءِ، فِي يَوْمِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ (أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) أَعَادَ فِيهِ حَرْفَ التَّنْبِيهِ تَأْكِيدًا لِتَمْيِيزِهِ بِهَذَا التَّنْبِيهِ عَمَّا سَبَقَهُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ هُنَا بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، أَيْ كُلُّ مَا وَعَدَ بِهِ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ حَقٌّ وَاقِعٌ لَا رَيْبَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ وَعْدُ الْمَالِكِ الْقَادِرِ عَلَى إِنْجَازِ مَا وَعَدَ لَا يُعْجِزُهُ مِنْهُ شَيْءٌ (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) يَعْنِي بِأَكْثَرِهِمُ الْكُفَّارَ مُنْكِرِي الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَمْرَ الْآخِرَةِ لَا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَلَا مِنْ طَرِيقِ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

(هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) بِقُدْرَتِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ، وَقَدْ بَسَطْنَاهُ

فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ ٣١ و٣٤ (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) عِنْدَمَا يُحْيِيكُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ وَيَحْشُرُكُمْ لِيُحَاسِبَكُمْ وَيَجْزِيَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيَانٌ مُسْتَأْنَفٌ لِمَا قَبْلَهُ بِالْإِيجَازِ، وَجُمْلَةُ هَذِهِ الْآيَاتِ خَاتِمَةُ هَذَا السِّيَاقِ.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) .

هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي مَوْضُوعِ تَشْرِيعِ الْقُرْآنِ الْعَمَلِيِّ التَّهْذِيبِيِّ جَاءَ بَعْدَ بَيَانِ عَقَائِدِهِ الثَّلَاثِ: (التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَالْبَعْثِ) وَتَأْيِيدِهَا بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَعَلَى صِدْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>