الْمَذْكُورَيْنِ، وَمُعَامَلَتِهِمَا بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمَا، لَا الْعِلْمِ بِوَصْفَيْهِمَا بِذَاتَيْهِمَا، أَوْ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِمَا بِمَوْصُوفَيْهِمَا. اهـ.
لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ
ذَكَرَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ (بَرَاءَةٌ) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُمْ كُلَّهُمْ وَيَعْرِفُ شُئُونَهُمْ بِمِثْلِ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ التَّفْصِيلِ، كَمَا قَالَ اللهُ لَهُ فِي الَّذِينَ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ: لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ (٩: ١٠١) وَسَتَأْتِي فِي هَذَا السِّيَاقِ. إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ ذِكْرَ الْمُنَافِقِينَ وَبَعْضِ صِفَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ جَاءَتْ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ (بَرَاءَةٌ) مِنْهَا سُوَرُ الْمُنَافِقِينَ وَالْأَحْزَابِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَنْفَالِ وَالْقِتَالِ وَالْحَشْرِ، وَأَمَّا سُورَةُ (بَرَاءَةٌ) فَهِيَ الْفَاضِحَةُ لَهُمْ، وَالْكَاشِفَةُ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ نِفَاقِهِمُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ أَوَّلُ السِّيَاقِ فِي هَذَا الْبَيَانِ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَمْرِ الْقِتَالِ، وَلَعَلَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِهَا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ هَذَا نَفْيٌ لِلشَّأْنِ يُرَادُ بِهِ بَيَانُ الْوَاقِعِ فِي نَفْسِهِ فَلَا يُلَاحَظُ فِي الْفِعْلِ فِيهِ الزَّمَانُ الْحَاضِرُ أَوِ الْمُسْتَقْبَلُ الَّذِي وُضِعَ لَهُ الْمُضَارِعُ بَلْ يَشْمَلُهُمَا كَمَا يَشْمَلُ الْمَاضِيَ، كَمَا تَقُولُ: الصَّائِمُ لَا يَغْتَابُ النَّاسَ، وَالَّذِي يُزَكِّي لَا يَسْرِقُ، أَيْ: هَذَا شَأْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ الَّذِي كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ، وَالْيَوْمُ الْآخِرُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْأَجْرُ الْأَكْمَلُ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَلَا مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ إِذَا عَرَضَ الْمُقْتَضِي لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute