(وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ) اسْمُ الْجَلَالَةِ (اللهُ) عَلَمٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا مَعْرُوفًا عِنْدَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ. قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٢٩: ٦١) وَمِثْلُهَا فِي سُورَةِ الزُّمَرِ: (٣٩: ٣٨) وَفِي مَعْنَى هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ وَرَدَتْ فِي سِيَاقِ إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ رَاجِعْ مِنْ آيَةِ ٨٠ إِلَى ٩٠ مِنْ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ وَآيَةِ ٦٠ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ. فَمِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ تَعْلَمُ أَنَّ اسْمَ الْجَلَالَةِ يَشْمَلُ هَذِهِ الصِّفَاتِ أَوْ يَسْتَلْزِمُهَا، فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ اللهُ الْمُتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَعْرُوفَةِ الْمُعْتَرَفِ لَهُ بِهَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا تَقُولُ:
إِنَّ حَاتِمًا هُوَ حَاتِمُ فِي طَيٍّ وَفِي جَمِيعِ الْقَبَائِلِ
أَيْ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْجُودِ الْمُعْتَرَفِ لَهُ بِهِ فِي كُلِّ قَوْمِهِ وَفِي غَيْرِهِمْ، وَأَنَّ فُلَانًا هُوَ الْخَلِيفَةُ فِي مَمْلَكَتِهِ وَفِي جَمِيعِ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ الزُّخْرُفِ (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (٤٣: ٨٤) إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الْمَعْنَى الِاشْتِقَاقِيَّ فِي الِاسْمِ الْكَرِيمِ إِمَّا الْمَعْبُودَ وَإِمَّا الْمَدْعُوَّ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى " الْإِلَهِ " وَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: كَمَعْنَى آيَةِ الزُّخْرُفِ أَيْ وَهُوَ الْمَعْبُودُ أَوِ الْمَدْعُوُّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّهُ الْأَصَحُّ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَفِي الْآيَاتِ وُجُوهٌ أُخْرَى: فَمِنْهَا أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ بِالْإِلَهِيَّةِ أَوِ الْمُتَوَحِّدُ بِالْإِلَهِيَّةِ فِيهِمَا وَمِنْهَا أَنَّهُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ اللهُ فِيهِمَا لَا يُشْرَكُ بِهِ فِي هَذَا الِاسْمِ وَقِيلَ: إِنَّ " فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ، وَفِيهِ إِشْكَالٌ نَحْوِيٌّ وَإِشْكَالٌ مَعْنَوِيٌّ.
وَزَعَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَائِنٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِنْهُ أَخَذُوا قَوْلَهُمْ. إِنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَاللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِمَّا قَالُوا، فَهُوَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرُ حَالٍّ فِيهِ كُلِّهِ وَلَا فِي جُزْءٍ مِنْهُ، وَمَا صَحَّ مِنْ إِطْلَاقِ كَوْنِهِ فِي السَّمَاءِ لَيْسَ مَعْنَاهُ إِنَّهُ
حَالٌّ فِي هَذِهِ الْأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ إِطْلَاقٌ لِإِثْبَاتِ عُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ غَيْرَ مُشَابِهٍ لَهُمْ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ بَائِنٌ مِنْهُمْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
وَأَمَّا جُمْلَةُ (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) فَهِيَ تَقْرِيرٌ لِمَعْنَى الْجُمْلَةِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الَّذِي اسْتَوَى فِي عِلْمِهِ السِّرُّ وَالْعَلَانِيَةُ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ بِمَعْنَى: هُوَ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ، قِيلَ: أَوْ ثَالِثٌ (وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute