للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحُجَجِ عَلَى تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ، بِأُسْلُوبِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْعِلْمِ، وَالْهَادِيَةِ إِلَى الْحَقِّ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرَكَائِهِمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ الْمَطْلُوبِ فِي الْعَقَائِدِ الدَّالِّ عَلَى ارْتِقَاءِ الْعَقْلِ وَعُلُوِّ النَّفْسِ، وَهُوَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ فِي شِرْكِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ لِغَيْرِ رَبِّهِمْ، وَلَا فِي إِنْكَارِهِمْ لِلْبَعْثِ، وَتَكْذِيبِهِمْ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا ضَرْبًا مِنْ ضُرُوبِ الظَّنِّ، قَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ تَنْكِيرُهُ، وَذَلِكَ كَاسْتِبْعَادِ غَيْرِ

الْمَأْلُوفِ، وَقِيَاسِ الْغَائِبِ وَالْمَجْهُولِ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْمَعْرُوفِ، وَتَقْلِيدِ الْآبَاءِ ثِقَةً بِهِمْ وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِهِمْ أَنْ يَكُونُوا عَلَى بَاطِلٍ فِي اعْتِقَادِهِمْ، وَضَلَالٍ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَأَمَّا غَيْرُ الْأَكْثَرِ فَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ هُوَ الْحَقُّ وَالْهُدَى، وَأَنَّ أَصْنَامَهُمْ وَغَيْرَهَا مِمَّا عَبَدُوا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَشْفَعُ، وَلَكِنَّهُمْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللهِ، وَيُكَذِّبُونَ رَسُولَهُ عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ، وَضَنًّا بِرِيَاسَتِهِمْ وَزَعَامَتِهِمْ أَنْ يَهْبِطُوا مِنْهَا إِلَى اتِّبَاعِ مَنْ دُونَهُمْ ثَرْوَةً وَقُوَّةً وَمَكَانَةً فِي قَوْمِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْبِيرُ بِالْأَكْثَرِ جَاءَ عَلَى سُنَّةِ الْقُرْآنِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ. فَإِنَّهُ تَارَةً يَحْكُمُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ، وَتَارَةً يَسْتَثْنِي مِنَ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْإِطْلَاقِ الْقَلِيلَ مِنْهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ مِنْ قَبْلُ. فَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى الْأَكْثَرِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ يَقِلُّ فِيهِمْ ذُو الْعِلْمِ، فَإِنْ قِيلَ: وَمَا حُكْمُ اللهِ فِي الظَّنِّ؟ فَالْجَوَابُ: (إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) مِنَ الْإِغْنَاءِ وَلَوْ قَلِيلًا، أَيْ لَا يَجْعَلُ صَاحِبَهُ غَنِيًّا بِعِلْمِ الْيَقِينِ فِي الْحَقِّ، فَيَكُونُ أَيِ الظَّنُّ بَدَلًا مِنَ الْيَقِينِ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُطْلَبُ فِيهِ الْيَقِينُ كَالدِّينِ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ هُوَ الْأَمْرُ الثَّابِتُ الْمُتَحَقِّقُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِي ثُبُوتِهِ وَتَحَقُّقِهِ، وَالْمَظْنُونُ وَإِنْ كَانَ رَاجِحًا عِنْدَ صَاحِبِهِ عُرْضَةٌ لِلشَّكِّ، يَتَزَلْزَلُ وَيَزُولُ إِذَا عَصَفَتْ بِهِ أَيُّ عَاصِفَةٍ مِنَ الشُّبَهَاتِ، وَالْإِغْنَاءُ يَتَعَدَّى بِـ ((عَنْ)) كَقَوْلِهِ: (مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ) (٧: ٤٨) (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ) (٦٩: ٢٨) (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ) (١١: ١٠١) وَقَدْ عُدِّيَ هُنَا بِـ ((مِنْ)) وَفِي مِثْلِهِ مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ، وَفِي قَوْلِهِ فِي ظِلِّ دُخَانِ النَّارِ (لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) (٧٧: ٣١) وَقَوْلِهِ فِي الضَّرِيعِ مِنْ طَعَامِ أَهْلِهَا: (لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) (٨٨: ٧) فَعُدِّيَ بِـ ((مِنْ)) لِإِفَادَةِ الْقِلَّةِ أَوْ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْبَدَلِ أَيْ إِنَّ ظِلَّ دُخَانِ النَّارِ لَا وَارِفَ يَمْنَعُ الْحَرَّ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ بِأَنْ يُقَلِّلَهُ أَوْ يُزِيلَهُ وَيَكُونَ بَدَلًا مِنْهُ، وَإِنَّ الضَّرِيعَ الَّذِي هُوَ طَعَامُ أَهْلِ النَّارِ لَا يُسْمِنُ الْبَدَنَ بِالتَّغْذِيَةِ الْكَافِيَةِ، وَلَا يُقَلِّلُ الْجُوعَ أَوْ يُزِيلُهُ فَيَكُونُ بَدَلًا مِنَ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ التَّغْذِيَةِ.

وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُنَا وَفِي سُورَةِ النَّجْمِ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ وَاجِبٌ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ الْمُقَلِّدَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَدْخُلُ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ الْإِيمَانُ بِوُجُوبِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ الْقَطْعِيَّةِ، وَالْإِيمَانُ بِتَحْرِيمِ الْمَحْظُورَاتِ الْقَطْعِيَّةِ كَذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ أَنَّ الْيَقِينَ الْمَشْرُوطَ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ

شَرْعًا هُوَ الْيَقِينُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>