عَلَى الدَّعْوَةِ وَتَنْفِيذِ أَمْرِ اللهِ وَطَاعَتِهِ - وَانْتَظِرُوا - بِنَا مَا تَتَمَنَّوْنَ لَنَا مِنْ انْتِهَاءِ أَمْرِنَا بِالْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا تَتَحَدَّثُونَ بِهِ، وَمِنْهُ مَا حَكَاهُ - تَعَالَى - عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: - أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ - ٥٢: ٣٠ وَمَا فِي مَعْنَاهُ - إِنَّا مُنْتَظِرُونَ - مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا مِنَ النَّصْرِ وَظُهُورِ هَذَا الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ،
وَإِتْمَامِ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَعُقَابِ الْمُعَانِدِينَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ.
- وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ - أَيْ: وَلَهُ وَحْدُهُ مَا هُوَ غَائِبٌ عَنْ عِلْمِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ وَعَنْ عِلْمِهِمْ مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، مِمَّا تَنْتَظِرُ مِنْ وَعْدِ اللهِ لَكَ وَوَعِيدِهِ لَهُمْ، وَمِمَّا يَنْتَظِرُونَ مِنْ أَمَانِيِّهِمْ وَأَوْهَامِهِمْ، فَهُوَ الْمَالِكُ لَهُ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِ، الْعَالِمُ بِمَا سَيَقَعُ مِنْهُ وَبِوَقْتِهِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ - وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ - فَمَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ: (يَرْجِعُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، وَنَافِعٌ وَحَفْصٌ بِضَمِّ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ - فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ - أَيْ: وَإِذَا كَانَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ كُلُّ أَمْرٍ، فَاعْبُدْهُ كَمَا أُمِرْتَ بِإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ وَحْدَهُ مِنْ عِبَادَةٍ شَخْصِيَّةٍ قَاصِرَةٍ عَلَيْكَ، وَمِنْ عِبَادَةٍ مُتَعَدِّيَةِ النَّفْعِ لِغَيْرِكَ، وَهِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالْمُجَادَلَةِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ لِيُتِمَّ لَكَ وَعَلَيْكَ مَا وَعَدَكَ بِمَا لَا تَبْلُغُهُ اسْتِطَاعَتُكَ، فَالتَّوَكُّلُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ الْعِبَادَةِ وَالْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ الْمُسْتَطَاعَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِدُونِهِمَا مِنَ التَّمَنِّي الْكَاذِبِ وَالْآمَالِ الْخَادِعَةِ، كَمَا أَنَّ الْعِبَادَةَ - وَهِيَ مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللهِ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ - لَا تَكْمُلُ إِلَّا بِالتَّوَكُّلِ الَّذِي يَكْمُلُ بِهِ التَّوْحِيدُ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الْأَمَانِيَّ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ - وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ - جَمِيعًا، مَا تَعْمَلُهُ أَنْتَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ، وَتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَى مُصَابَرَتِهِمْ وَجِهَادِهِمْ، فَهُوَ يُوَفِّيكُمْ جَزَاءَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَا يَعْمَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْكَيْدِ لَكُمْ، وَهَذِهِ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَحَفْصٍ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: " يَعْمَلُونَ " بِالتَّحْتِيَّةِ، وَهِيَ نَصٌّ فِي وَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ وَحْدَهُمْ بِالْجَزَاءِ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
(تَمَّ تَفْسِيرُ السُّورَةِ التَّفْصِيلِيُّ وَيَلِيهِ خُلَاصَتُهُ الْإِجْمَالِيَّةُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute