للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَوْجُودُونَ حَقِيقَةً، فَإِنَّ وُجُودَهُمْ لَا يُغْنِي عَنِ الْأُمَّةِ شَيْئًا، وَقَدْ عَصَى اللهَ جَمَاهِيرُهَا وَقَضَوْا مِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ، فَقَدْ جَرَتْ سُنَّتُهُ - تَعَالَى - فِي خَلْقِهِ بِأَنَّ بَقَاءَ الْأُمَمِ عَزِيزَةً إِنَّمَا يَكُونُ بِمُحَافَظَةِ الْجَمَاهِيرِ فِيهَا عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا الْعِزَّةُ وَيُحْفَظُ بِهَا الْمَجْدُ وَالشَّرَفُ.

وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بِآيَاتِ اللهِ فِي كِتَابِهِ، لَا يَعْتَبِرْ بِآيَاتِهِ وَسُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ، فَقَدْ فُتِنَ الْمُسْلِمُونَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَحَلَّ بِجَمِيعِ بِلَادِهِمْ مَا حَلَّ مِنَ الْبَلَاءِ وَهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (٤٧: ٢٤) ، (أَوَ لَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٩: ١٢٦) .

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ)

كَانَ التَّذْكِيرُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِأَهَمِّ الْمَأْمُورَاتِ الَّتِي أَخَذَ اللهُ - تَعَالَى - الْمِيثَاقَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِهَا بَعْدَ تَوْحِيدِ اللهِ - تَعَالَى - وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُمْ نَقَضُوا مِيثَاقَ اللهِ - تَعَالَى - وَلَمْ يَأْتَمِرُوا بِهَا، وَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ التَّذْكِيرُ بِأَهَمِّ الْمَنْهِيَّاتِ الَّتِي أَخَذَ اللهُ - تَعَالَى - الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ بِاجْتِنَابِهَا، وَبَيَانُ أَنَّهُمْ نَقَضُوا مِيثَاقَهُ وَلَمْ يَنْتَهُوا عَنْهَا، وَقَدْ قَالَ هُنَاكَ: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) أَيِ الَّذِينَ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ التَّوْرَاةُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى خِطَابِ الْحَاضِرِينَ فِي زَمَنِ التَّنْزِيلِ فَقَالَ: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) وَقَالَ هُنَا: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ) تَمَادِيًا فِي سِيَاقِ الِالْتِفَاتِ، وَتَذْكِيرًا بِوَحْدَةِ الْأُمَّةِ وَاعْتِبَارِهَا كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ، يُصِيبُ الْخَلْفَ أَثَرُ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ مَا اسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِمْ، وَجَرَوْا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ، كَمَا تُؤَثِّرُ أَعْمَالُ الشَّخْصِ السَّابِقَةُ فِي قُوَاهُ النَّفْسِيَّةِ، وَطَبْعِ مَلَكَاتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>