للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُسْتَبِدِّينَ فِيهِمْ بِالْقَهْرِ، فَالْجَبَّارُ الْقَاهِرُ الَّذِي يُجْبِرُ غَيْرَهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ بِالْقَهْرِ وَالْإِذْلَالِ، أَوْ مَنْ يَجْبُرُ نَقْصَ نَفْسِهِ بِالْكِبْرِ وَدَعْوَى الْعَظَمَةِ، وَالْعَنِيدُ: الطَّاغِي الَّذِي يَأْبَى الْحَقَّ وَلَا يُذْعِنُ لَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ وَقَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ، فَهَلْ يَعْتَبِرُ بِهَذِهِ بَقَايَا الْمُلُوكِ الْجَبَّارِينَ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ؟

(وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً) إِتْبَاعُ الشَّيْءِ الشَّيْءَ: لُحُوقُهُ بِهِ وَإِدْرَاكُهُ إِيَّاهُ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُهُ، أَيْ لَحِقَتْ بِهِمْ لَعْنَةٌ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَكَانَ كُلُّ مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَنْ أَدْرَكَ آثَارَهُمْ، وَكُلُّ مَنْ بَلَّغَهُ الرُّسُلُ مِنْ بَعْدِهِمْ خَبَرَهُمْ يَلْعَنُونَهُمْ (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَتَتْبَعُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَمَا يَلْعَنُ الْأَشْهَادُ الظَّالِمِينَ أَمْثَالَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: تَتَابَعَتْ عَلَيْهِمْ لَعْنَتَانِ مِنَ اللهِ: لَعْنَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَعْنَةٌ فِي الْآخِرَةِ: (أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ) هَذِهِ شَهَادَةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ، أَيْ: كَفَرُوا نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ بِجُحُودِهِمْ بِآيَاتِهِ وَتَكْذِيبِهِمْ لِرُسُلِهِ كِبْرًا وَعِنَادًا، يُقَالُ: كَفَرَهُ وَكَفَرَ بِهِ، وَشَكَرَهُ وَشَكَرَ لَهُ، وَمَعْنَى مَادَّةِ الْكُفْرِ فِي الْأَصْلِ التَّغْطِيَةُ، (أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ وَالْبُعْدِ مِنَ الرَّحْمَةِ حِكَايَةً لِبَدْئِهِ، وَتَسْجِيلًا لِدَوَامِهِ، كَرَّرَ أَلَا الْمُنَبِّهَةَ لِمَا بَعْدَهَا تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ، وَكَرَّرَ اسْمَهُمْ وَوَصْفَهُمْ بِـ قَوْمِ هُودٍ لِيُفِيدَ السَّامِعَ بِالتَّكْرِيرِ تَقْرِيرَ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِللَّعْنَةِ وَالْإِبْعَادِ وَسَبَبِهِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ شُبْهَةُ عُذْرٍ لِرَدِّ الدَّعْوَةِ الْمُعَقِّبَةِ لِلْحِرْمَانِ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَنِعْمَةٍ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى ضِدِّهِ مِنْ شَقَاءٍ وَنِقْمَةٍ.

قِصَّةُ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

هُوَ النَّبِيُّ الرَّسُولُ الثَّانِي مِنَ الْعَرَبِ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ قِصَّتِهِ فِي سَبْعِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، ذَكَرْتُ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهَا مَسَاكِنَ قَبِيلَتِهِ ثَمُودَ وَهِيَ: الْحِجْرُ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ، وَهَاهِيَ ذِي قَدْ ذُكِرَتْ هُنَا فِي ثَمَانِي آيَاتٍ تُضَاهِي تِلْكَ السَّبْعَ، وَسَتَجِيءُ فِي ١٩ آيَةً مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ أَقْصَرَ مِنْ آيَاتِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ، ثُمَّ

فِي تِسْعٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ تُنَاهِزُ آيَاتِ الْأَعْرَافِ، ثُمَّ فِي تِسْعٍ مِنْ سُورَةِ الْقَمَرِ قِصَارٍ، وَذُكِرَتْ قَبْلَهُنَّ فِي خَمْسٍ مِنْ سُورَةِ الْحِجْرِ، وَبَعْدَهُنَّ فِي خَمْسٍ مِنْ سُورَةِ الشَّمْسِ، وَثَلَاثٍ مِنْ سُورَةِ الذَّارِيَاتِ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ، وَفِي كُلٍّ مِنَ الْمَوْعِظَةِ وَالْعِبْرَةِ فِي مَوْضِعِهَا مَا يَلِيقُ بِهَا، وَلَا يُغْنِي عَنْهَا غَيْرُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>