للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَابِعًا: أَنَّ أَحَدَ فَلَاسِفَةِ الْهُنُودِ دَرَسَ تَارِيخَ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَبَحَثَ فِيهَا بَحْثَ مُسْتَقِلٍّ مُنْصِفٍ، وَأَطَالَ الْبَحْثَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ لِمَا لِلدُّوَلِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهَا مِنَ الْمُلْكِ وَسَعَةِ السُّلْطَانِ وَالتَّبْرِيزِ فِي الْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي الْإِسْلَامِ فَعَرَفَ أَنَّهُ الدِّينُ الْحَقُّ فَأَسْلَمَ وَأَلَّفَ كِتَابًا بِاللُّغَةِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ، سَمَّاهُ (لِمَاذَا أَسْلَمْتُ) بَيَّنَ فِيهِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مَزَايَا الْإِسْلَامِ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ، وَكَانَ أَهَمَّهَا عِنْدَهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الدِّينُ الْوَحِيدُ الَّذِي لَهُ تَارِيخٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ، فَالْآخِذُ بِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الدِّينُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ، الْمَدْفُونُ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ مَثَارِ الْعَجَبِ عِنْدَهُ أَنْ تَرْضَى أُورُبَّةُ لِنَفْسِهَا دِينًا، تَرْفَعُ مَنْ تَنْسُبُهُ إِلَيْهِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْبَشَرِ فَتَجْعَلُهُ إِلَهًا، وَهِيَ لَا تَعْرِفُ مِنْ تَارِيخِهِ شَيْئًا يُعْتَدُّ بِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَنَاجِيلَ الْأَرْبَعَةَ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ أَصْلِهَا، وَعَدَمِ الثِّقَةِ بِتَارِيخِهَا وَمُؤَلِّفِيهَا، لَا تَذْكُرُ مِنْ تَارِيخِ الْمَسِيحِ إِلَّا وَقَائِعَ قَلِيلَةً حَدَثَتْ - كَمَا تَقُولُ - فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ. وَلَا يُذْكَرُ فِيهَا شَيْءٌ يُعْتَدُّ بِهِ عَنْ نَشْأَةِ هَذَا الرَّجُلِ وَتَرْبِيَتِهِ وَتَعْلِيمِهِ، وَأَيَّامِ صِبَاهُ وَشَبَابِهِ، وَلِلَّهِ فِي خَلْقِهِ شُئُونٌ.

(يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ قَبْلُ، كَمَا أَخَذَهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْآنَ، وَأَنَّهُمْ نَقَضُوا مِيثَاقَهُ، وَأَضَاعُوا حَظًّا عَظِيمًا مِمَّا أَوْحَاهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يُقِيمُوا مَا حَفِظُوهُ مِنْهُ. وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي هِيَ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ الْكَثِيرَةِ. ثُمَّ نَادَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَوَجَّهَ إِلَيْهِمُ الْخِطَابَ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ) قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ إِخْفَاءِ الْيَهُودِ حُكْمَ رَجْمِ الزَّانِي حِينَ تَحَاكَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَسَتَأْتِي الْقِصَّةُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ الْآيَةَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>