عَهْدِ (أَرِينْيُوسَ) تِلْمِيذِ (بُولِيكَارْبَ) الَّذِي هُوَ تِلْمِيذُ يُوحَنَّا، وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ أَرِينْيُوسُ بِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ بُولِيكَارْبَ أَنَّ أُسْتَاذَهُ يُوحَنَّا هُوَ الْكَاتِبُ لَهُ.
(وَمِنْهَا) نَقْلُهُ عَنْ بَعْضِ كُتُبِهِمْ مَا نَصُّهُ " كَتَبَ (إِسْتَادِلْنُ) فِي كِتَابِهِ: " إِنَّ كَافَّةَ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا تَصْنِيفُ طَالِبٍ مِنْ طَلَبةِ مَدْرَسَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِلَا رَيْبٍ ".
(وَمِنْهَا) أَنَّ الْمُحَقِّقَ (بَرْطَشِنِيدَرَ) قَالَ: إِنَّ هَذَا الْإِنْجِيلَ كُلَّهُ، وَكَذَا رَسَائِلُ يُوحَنَّا لَيْسَتْ مِنْ تَصْنِيفِهِ، بَلْ صَنَّفَهَا أَحَدٌ (كَذَا) فِي ابْتِدَاءِ الْقَرْنِ الثَّانِي.
(وَمِنْهَا) أَنَّ الْمُحَقِّقَ (كُرُوتِيسَ) قَالَ: إِنَّ هَذَا الْإِنْجِيلَ كَانَ عِشْرِينَ بَابًا، فَأَلْحَقَتْ كَنِيسَةُ أَفَسَاسَ الْبَابَ الْحَادِيَ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ مَوْتِ يُوحَنَّا.
(وَمِنْهَا) أَنَّ جُمْهُورَ عُلَمَائِهِمْ رَدُّوا إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّامِنِ. . . إِلَخْ.
سَادِسًا: عَلِمْنَا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ النَّصَارَى لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَسَانِيدُ مُتَّصِلَةٌ وَلَا مُنْقَطِعَةٌ لِكُتُبِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ؛ وَإِنَّمَا بَحَثُوا وَنَقَّبُوا فِي كُتُبِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، وَفَلَّوْهَا فَلِيًّا لَعَلَّهُمْ يَجِدُونَ فِيهَا شُبْهَةَ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا كَانَ مَعْرُوفًا فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى لِلْمَسِيحِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا صَرِيحًا يُثْبِتُ شَيْئًا مِنْهَا؛ وَإِنَّمَا وَجَدُوا كَلِمَاتٍ مُجْمَلَةً أَوْ مُبْهَمَةً، فَسَّرُوهَا كَمَا شَاءَتْ أَهْوَاؤُهُمْ، وَسَمَّوْهَا شَهَادَاتٍ، وَنَظَمُوهَا فِي سِلْكِ الْحُجَجِ وَالْبَيِّنَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَيْضًا غَيْرَ مَنْقُولَةٍ عَنِ الثِّقَاتِ، ثُمَّ اسْتَنْبَطُوا مِنْ فَحْوَاهَا وَمَضَامِينِهَا مَسَائِلَ مُتَشَابِهَةً، زَعَمُوا أَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُؤَيِّدُ الْآخَرَ وَيَشْهَدُ لَهُ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى ضَعْفِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ.
فَثَبَتَ بِهَذَا الْبَيَانِ الْوَجِيزِ صِدْقُ قَوْلِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ: (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)
(٥: ١٤) وَثَبَتَ بِهِ أَنَّهُ كَلَامُ اللهِ وَوَحْيُهُ ; إِذْ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اهْتَدَى إِلَيْهِ بِعَقْلِهِ وَنَظَرِهِ، كَيْفَ وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَنْ أَكْثَرِ عُلَمَائِنَا الْأَعْلَامِ عِدَّةَ قُرُونٍ ; لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى تَارِيخِ الْقَوْمِ، وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا أَنَّ بَعْضَ كُبَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ الَّذِينَ ارْتَقَوْا بِعِلْمِهِمْ وَاخْتِبَارِهِمْ إِلَى أَرْفَعِ الْمَنَاصِبِ، سَأَلَنِي مَرَّةً: كَيْفَ نَقُولُ نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ لِلنَّصَارَى كِتَابًا وَاحِدًا يُسَمَّى الْإِنْجِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَى عِيسَى، فَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، مَعَ أَنَّ النَّصَارَى أَنْفُسَهُمْ يَقُولُونَ هَذَا وَلَا يَعْرِفُونَهُ، وَإِنَّمَا عِنْدَهُمْ أَرْبَعَةُ أَنَاجِيلَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قِصَّةِ الْمَسِيحِ وَسِيرَتِهِ؟ فَأَجَبْتُهُ: إِنَّ الْإِنْجِيلَ الَّذِي نَنْسُبُهُ إِلَى الْمَسِيحِ وَنَقُولُ إِنَّهُ هُوَ مَا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي يُذَكَرُ فِي هَذِهِ الْأَنَاجِيلِ عَنْ لِسَانِ الْمَسِيحِ بِاللَّفْظِ الْمُفْرَدِ، إِلَى آخِرِ مَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ.
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَأَمْثَالِهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) (٥: ١٤) فَأَنْتَ تَرَى مِصْدَاقَ هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ فِرَقِهِمْ، وَبَيْنَ دُوَلِهِمْ، لَمْ يَنْقَطِعْ زَمَنًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute