للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَامْتِرَاءٍ مِمَّا يَعْبُدُ قَوْمُكَ هَؤُلَاءِ فِي عَاقِبَتِهِ بِمُقْتَضَى تِلْكَ السُّنَّةِ الَّتِي لَا تَبْدِيلَ لَهَا، فَالنَّهْيُ تَسْلِيَةٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْذَارٌ لِقَوْمِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ حَالَهُمْ فِي عِبَادَتِهِمْ وَجَزَاءَهُمْ بَيَانًا مُسْتَأْنَفًا فَقَالَ: - مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ - فَهُمْ مُقَلِّدُونَ لِآبَائِهِمْ كَمَا يَقُولُونَ، وَكَمَا قَالَ أَقْوَامُ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قِبَلِهِمْ: - وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ - أَيْ: وَإِنَّا لَمُعْطُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَافِيًا تَامًّا لَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ، كَمَا وَفَّيْنَا آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ مِنْ قَبْلُ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ كَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ وَعَمَلِ الْمَعْرُوفِ، إِلَّا وَيُوَفِّيهِمُ اللهُ - تَعَالَى - جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِسَعَةِ الرِّزْقِ وَكَشْفِ الضُّرِّ جَزَاءً تَامًّا وَافِيًا لَا يَنْقُصُهُ شَيْءٌ يُجْزَوْنَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا يَغْتَرَّنَّ أَغْنِيَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ سَعَةٍ وَنِعْمَةٍ وَوَجَاهَةٍ فَهُوَ مَتَاعٌ

عَاجِلٌ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْقَضِيَ، وَلَا يُحْتَجَّنَّ بِهِ عَلَى رِضَى اللهِ عَنْهُمْ وَإِعْطَائِهِمْ مِثْلَهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى فَرْضِ وَجُودِهَا كَمَا أَعْطَاهُمْ فِي الدُّنْيَا، كَمَا حُكِيَ عَنْ قَائِلِهِمْ: - وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا - ١٨: ٣٦ وَعَنْ آخَرَ: - وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى - ٤١: ٥٠ فَإِنَّ الْحُسْنَى عِنْدَ الرَّبِّ - تَعَالَى - فِي الْآخِرَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا بَلَّغَهُمْ عَنْهُ مِنْ مَوْجَاتِ الرَّحْمَةِ عِنْدَهُ بِفَضْلِهِ.

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي بَقِيَّةِ الْعِبْرَةِ بِسُنَّةِ اللهِ - تَعَالَى - فِي الْأُمَمِ وَأَقْوَامِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - ذَكَّرَ اللهُ قَوْمَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَأُمَّتَهُ أَوَّلًا بِأَقْوَامِ الَّذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْكُفْرُ وَالْجُحُودُ فَلَمْ يُؤْمِنْ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، فَوَفَّاهُمُ اللهُ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَسَيُوَفِّيهِمْ إِيَّاهَا فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّ سُنَّتَهُ فِي الدَّارَيْنِ وَاحِدَةٌ. وَذَكَّرَهُمْ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بِقَوْمِ مُوسَى الَّذِينَ آتَاهُمُ الْكُتَّابَ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَكَلِمَتُهُ فِي تَأْخِيرِ جَزَائِهِمْ إِلَى الْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَحِقُّوا عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ مَثَلَ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ مِنْ أُمَّتِهِ فِي الْكِتَابِ كَمَثَلِ هَؤُلَاءِ. قَالَ:

- وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ - أَيْ: فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ بَغْيًا بَيْنَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>