للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابْنَ عَمْرٍو، اللهُمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَتِيبَ عَلَيْهِمْ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُنَّ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ حَتَّى سَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ الْآيَةَ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ السُّيُوطِيُّ فِي لُبَابِ النُّقُولِ وَلَمْ يَعْزِ الْأَوَّلَ إِلَى التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ اكْتِفَاءً بِمَنْ هُوَ أَصَحُّ مِنْهُمَا رِوَايَةً، وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، وَمَا رُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثِ أَنَسٍ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ مَا قَالَ فِيهِمْ حِينَ أَدْمَوْهُ، ثُمَّ لَعَنَ رُؤَسَاءَهُمْ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ عَقِبَ ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَأَمَّا الْمَعْنَى فَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ - تَعَالَى - ذِكْرُهُ: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ، لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ. فَقَوْلُهُ: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ يَكْبِتَهُمْ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ حَتَّى يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، فَيَكُونُ نَصْبُ يَتُوبَ بِمَعْنَى " أَوْ " الَّتِي هِيَ فِي مَعْنَى " حَتَّى " وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ أَمْرِ الْخَلْقِ إِلَى أَحَدٍ سِوَى خَالِقِهِمْ قَبْلَ تَوْبَةِ الْكُفَّارِ، وَعِقَابُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَتَأْوِيلُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ لَيْسَ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَمْرِ خَلْقِي إِلَّا أَنْ تُنَفِّذَ فِيهِمْ أَمْرِي وَتَنْتَهِيَ فِيهِمْ إِلَى طَاعَتِي، وَإِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَيَّ وَالْقَضَاءُ فِيهِمْ بِيَدِي دُونَ غَيْرِي. أَقْضِي فِيهِمْ وَأَحْكُمُ بِالَّذِي أَشَاءُ مِنَ التَّوْبَةِ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِي وَعَصَانِي وَخَالَفَ أَمْرِي، أَوِ الْعَذَابِ إِمَّا فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالنِّقَمِ الْمُبِيرَةِ، وَإِمَّا فِي آجِلِ الْآخِرَةِ بِمَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِي، انْتَهَى قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْدَهُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي الْآيَةِ.

وَأَقُولُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَا جَرَى فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ حِكْمَةٌ إِلَّا نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ لَكَفَى، فَكَيْفَ وَقَدْ جُمِعَ إِلَيْهَا مَا سَيَأْتِي مِنَ الْحِكَمِ الدِّينِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ؟ !

كَانَ الْمُؤْمِنُونَ السَّابِقُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ وَعْدِ اللهِ - تَعَالَى - بِنَصْرِ نَبِيِّهِ وَإِظْهَارِ دِينِهِ لَمْ يُزَلْزِلْ إِيمَانَهُمْ بِذَلِكَ ضَعْفُهُمْ وَقِلَّتُهُمْ، وَلَا إِخْرَاجُ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ أَوَّلَ تَبَاشِيرِ هَذَا النَّصْرِ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - نَصَرَهُمْ عَلَى قِلَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ بَعْدَ مَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ الرَّسُولِ وَتَضَرُّعِهِ وَاسْتِغَاثَتِهِ رَبَّهُ زَادَهُمْ ذَلِكَ إِيمَانًا

<<  <  ج: ص:  >  >>