للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذِهِ هِيَ الْفَتْوَى: وَأُزِيدُ الْآنَ: أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَدِ اعْتَمَدُوا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى تَحْدِيدِ سَفَرِ الْقَصْرِ بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِ الْأَوَّلِ، وَكَوْنِ الثَّانِي كَانَ يُسَافِرُ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ، وَهَذَا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ

بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا قَصْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنْ يَقْصُرَ فِيمَا دُونَ يَوْمَيْنِ، يَعْنِي لَوْ بَلَغَهُ لَعَمِلَ بِهِ كَمَا هِيَ قَاعِدَتُهُ - رَحِمَهُ اللهُ -: " إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي "، وَقَدْ بَلَغَ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ فِي هَذَا، وَهُوَ حَدِيثُ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ مِنْ قَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ أَوْ أَمْيَالٍ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَأَصْرَحُهُ، وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ أَنَسًا سُئِلَ عَنِ الْقَصْرِ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فَقَالَهُ، وَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْفَرْسَخِ فَإِنَّهُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، فَوَجَبَ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ الْعَمَلُ بِهِ كَكُلِّ مَنْ بَلَغَهُ.

كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْقُرْآنِ

قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعْدَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِذْنِ بِالْقَصْرِ مِنَ الصَّلَاةِ: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ أَيْ: وَإِذَا كُنْتَ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِي جَمَاعَتِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِثْلُهُ فِي هَذَا كُلُّ إِمَامٍ فِي كُلِّ جَمَاعَةٍ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ، إِقَامَةُ الصَّلَاةِ تُطْلَقُ عَلَى الذِّكْرِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ إِلَى الدُّخُولِ فِيهَا وَهُوَ نِصْفُ ذِكْرِ الْأَذَانِ وَزِيَادَةُ " قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ " مَرَّتَيْنِ بَعْدَ كَلِمَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ كَمَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَقِيلَ: هُوَ كَالْأَذَانِ مَعَ زِيَادَةِ مَا ذُكِرَ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا مُقَوَّمَةً تَامَّةَ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَالْآدَابِ، وَالظَّاهِرُ هُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، لِتَعْدِيَتِهِ بِاللَّامِ ; وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُبَيَّنَةَ فِي الْآيَةِ لَيْسَتْ تَامَّةً بَلْ هِيَ مَقْصُورٌ مِنْهَا، وَتُقَابِلُ صَلَاةَ الْخَوْفِ هُنَا صَلَاةُ الِاطْمِئْنَانِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ، فَمَعْنَى أَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ دَعَوْتَهُمْ إِلَى أَدَائِهَا جَمَاعَةً، أَيْ: وَالْزَمَنُ زَمَنُ الْحَرْبِ وَفِتْنَةُ الْكُفَّارِ مُخَوِّفَةٌ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ، فِي الصَّلَاةِ يَقْتَدُونَ بِكَ وَيَبْقَى الْآخَرُونَ مُرَاقِبِينَ الْعَدُوَّ يَحْرُسُونَ الْمُصَلِّينَ خَوْفًا مِنَ اعْتِدَائِهِ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ، أَيْ: وَلِيَحْمِلِ الَّذِينَ يَقُومُونَ مَعَكَ فِي الصَّلَاةِ أَسْلِحَتَهُمْ وَلَا يَدَعُوهَا وَقْتَ الصَّلَاةِ لِئَلَّا يَضْطَرُّوا إِلَى الْمُكَافَحَةِ عَقِبَهَا مُبَاشَرَةً أَوْ قَبْلَ إِتْمَامِهَا فَيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لَهَا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَمْرَ بِأَخْذِ السِّلَاحِ أَيْ جُمْلَةٍ هُوَ لِلطَّائِفَةِ الْأُخْرَى لِقِيَامِهَا

بِالْحِرَاسَةِ، وَجَوَّزَ الزَّجَّاجُ وَالنَّحَّاسُ أَنْ يَكُونَ لِلطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا أَيْ وَلْيَكُنِ الْمُؤْمِنُونَ حِينَ انْقِسَامِهِمْ إِلَى طَائِفَتَيْنِ وَاحِدَةٍ تُصَلِّي وَوَاحِدَةٍ تُرَاقِبُ وَتَحْرُسُ - حَامِلِينَ لِلسِّلَاحِ لَا يَتْرُكُهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَوَجْهُ تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْجَمِيعِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ أَنْ يَحْمِلُوا أَسْلِحَتَهُمْ إِلَّا فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا قِتَالٌ وَلَا نِزَالٌ، فَاحْتِيجَ إِلَى الْأَمْرِ بِحَمْلِ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ ; لِأَنَّهُ مَظَنَّةُ الْمَنْعِ أَوِ الِامْتِنَاعِ، وَالْأَسْلِحَةُ جَمْعُ سِلَاحٍ وَهُوَ كُلُّ مَا يُقَاتَلُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ مِنْهُ فِي حَالِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>